سيأتيني، فقلت: أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لآخرتي، قال: فصمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طويلًا، ثم قال لي:"إني فاعل، فأعني على نفسك بكثرة السجود".
(بوضوئه) بفتح الواو، أي بالماء الذي يتوضأ به (وبحاجته) أي بما يحتاج إليه في أمر الطهارة وغيرها، فهو من عطف العام على الخاص (فقال) - صلى الله عليه وسلم - -بفتح السين، وسكون اللام- فعل أمر من سالَ يَسَالُ لغة في سَأَلَ يسْأَلُ مهموز العين.
يقال: سال يسال من باب خافا يخاف، والأمر منه سَلْ، وفي المثنى والمجموع سَلَا، وسَلُوا على غير قياس، لأن القياس يقتضي أن يقال: سالا، وسالوا، كقولههم: خافا، وخافوا. انتهى "المصباح" بزيادة من هامشه.
أي اطلب مني حاجتك (قلت: مرافقتك في الجنة) بالنصب مفعول لفعل محذوف دلّ عليه قوله: "سلني"، أي أسألك مرافقتك وصحبتك في الجنة، والجملة في محل نصب مقول القول.
(قال) - صلى الله عليه وسلم - (أو غير ذلك) يحتمل أن تكون الهمزة للاستفهام، دخلت على واو العطف، و"غير" مفعول لفعل مقدر، أي أتسأل غير ذلك من أمور الدنيا، كالغنى، ونحوه، ويحتمل أن تكون "أو" بسكون الواو للإضراب بمعنى "بل"، أي بل اسأل غير ذلك من الحوائج (قلت: هو ذاك) أي المسؤول الذي أطلبه هو الذي ذكرته لك من المرافقة لك في الجنة، لا غير، فـ"هو" مبتدأ، و"ذاك" خبره، والجملة مقول القول.
(قال) - صلى الله عليه وسلم - (فأعني) الفاء فصيحية، أي إذا كان مطلوبك ما ذكر فأعني (على نفسك بكثرة السجود) الجاران متعلقان بـ"أعني"، أي كن عونا لي على تحصيل مراد نفسك التي هي المرافقة لي في الجنة بكثرة الصلاة، وخص السجود بالذكر لأنه مُذلٌّ للنفس، وقاهر لها، لما فيه من وضع أشرف الأعضاء، وأعلاها على الأرض، وأيّ نفس خضعت لله تعالى استحقت رحمته وإحسانه.
ولأن الساجد أقرب إلى الله تعالى، لقول الله عز وجلّ:{وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ}[العلق: ١٩] ولما تقدم في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المذكور في الباب الماضي مرفوعًا:"أقرب ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد، فأكثروا الدعاء".
وقال السندي رحمه الله تعالى: والمراد تعظيم تلك الحاجة، وأنها تحتاج إلى معاونة منك، ومجرد السؤال مني لا يكفي فيها.
أو المعنى: فوافقني بكثرة السجود قاهرا بها على نفسك. وقيل: أَعِنِّي على قهر نفسك بكثرة السجود، كأنه أشار إلى أن ما ذكرتَ لا يحصل إلا بقهر نفسك التي هي أعدى عدوك، فلابد لي من قهر نفسك بصرفها عن الشهوات، ولابد لك أن تعاونني فيه.