حوسبوا، فاستحقوا العذاب أن لا يعذبوا، وفي إخراج من أُدخل النار من العصاة، وفي رفع الدرجات.
قال الحافظ -رحمه الله-: وأشار عياض إلى استدراك شفاعة سادسة، وهي التخفيف عن أبي طالب في العذاب. وزاد بعضهم شفاعة سابعة، وهي الشفاعة لأهل المدينة، لحديث سعد - رضي الله عنه -، رفعه:"لا يَثْبُتُ على لأوائها أحد إلا كنت له شهيدا، أو شفيعا". أخرجه مسلم، ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رفعه:"من استطاع أن يموت بالمدينة، فليفعل، فإني شفيع لمن مات بها". أخرجه الترمذي.
قال الحافظ: وهذه غير واردة لأن متعلقها لا يخرج عن واحدة من الخمس الأُوَل، ولو عُدَّ مثل ذلك لعدّ حديث عبد الملك بن عباد:"سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أول من أشفع له أهل المدينة، ثم أهل مكة، ثم أهل الطائف". أخرجه البزار والطبراني، وأخرج الطبراني من حديث ابن عمر رفعه:"أول من أشفع له أهل بيتي، ثم الأقرب، فالأقرب، ثم سائر العرب، ثم الأعاجم".
وذكر القزويني في "العروة الوثقى" شفاعته لجماعة من الصلحاء في التجاوز عن تقصيرهم، ولم يذكر مستندها، ويظهر لي أنها تندرج في الخامسة.
وزاد القرطبي أنه أول شافع في دخول أمته الجنة قبل الناس، وهذه أفردها النقّاش بالذكر، وهي واردة. وزاد النقاش أيضا شفاعته في أهل الكبائر من أمته، وليست واردة؛ لأنها تدخل في الثالثة، أو الرابعة.
قال الحافظ رحمه الله تعالى: وظهر لي بالتتبع شفاعة أخرى، وهي الشفاعة فيمن استوت حسناته وسيآته أن يدخل الجنة، ومستندها ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: السابق يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلونها بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد ثبت أن أرجح الأقوال في أصحاب الأعراف أنهم قوم استوت حسناتهم وسيآتهم.
وشفاعة أخرى، وهي شفاعته فيمن قال: لا إله إلا الله، ولم يعمل خيرا قطّ، ومستندها رواية الحسن، عن أنس - رضي الله عنه -، وفيه:"فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله"، ولا يمنع مِنْ عَدِّها قول الله تعالى له:"ليس ذلك إليك". لأن النفي يتعلق بمباشرة الإخراج، وإلا فنفس الشفاعة منه قد صدرت، وقبولها قد وقع، وترتب عليها أثرها، فالوارد على الخمسة أربعة، وما عداها لا يرد، كما ترد (١) الشفاعة في التخفيف
(١) هكذا نسخة "الفتح" "كما ترد الشفاعة" الخ، ولعل الصواب "كما لا ترد" الخ بزيادة "لا".