للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الأزهري: وهذا الذي قاله أبو الهيثم حسن، ودلائله واضحة، غير أن التحية، وإن كانت في الأصل سلاما، كما قال خالد، فجائز أن يسمى المُلْك في الدنيا تحية، كما قال الفراء وأبو عمرو، لأن المَلِكَ يُحَيّا بتحية المُلك المعروفة للملوك التي يباينون فيها غيرهم، وكانت تحية ملوك العجم نحوا من تحية ملوك العرب، كان يقال لملكهم: زِهْ هَزَارْ سَالْ: المعنى: عش سالما ألف عام، وجائز أن يقال للبقاء تحية؛ لأن من سلم من الآفات فهو باق، والباقي في صفة الله عز وجلّ من هذا؛ لأنه لا يموت أبدا. انتهى المقصود من كلام ابن منظور رحمه الله تعالى (١).

(والصلوات) قيل: المراد الخمس، أو ما هو أعمّ من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة. وقيل: العبادات كلها. وقيل: الدعوات. وقيل: الرحمة. وقيل: "التحيات" العبادات القولية، و"الصلوات": العبادات الفعلية، و"الطيبات": العبادات المالية (٢). .

(والطيبات) أي ما طاب من الكلام وحَسُنَ أن يُثنَى به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به. وقيل: الطيبات ذكرُ الله. وقيل: الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء. وقيل: الأعمال الصالحة، وهو أعمّ.

قال ابن دقيق العيد -رحمه الله-: إذا حمل التحية على السلام، فيكون التقدير: التحيات التي تعظم بها الملوك مثلا مُستَحَقَّةٌ لله تعالى، وإذا حمل على البقاء، فلا شك في اختصاص الله به، وإذا حمل على الملك والعظمة، فيكون معناه الملك الحقيقي التامّ لله، والعظمة الكاملة لله، لأن ما سوى ملكه وعظمته تعالى فهو ناقص.

قال: و"الصلوات" يحتمل أن يراد بها الصلوات المعهودة، ويكون التقرير أنها واجبة لله تعالى، لا يجوز أن يُقصَدَ بها غيره، أو يكون ذلك إخبارا عن إخلاصنا الصلوات له، أي إن صلواتنا مخلصة له، لا لغيره، ويحتمل أن يراد بالصلوات الرحمة، ويكون معنى قوله: "لله" أي المتفضل بها، والمعطي لها هو الله لأن الرحمة التامة لله تعالى، لا لغيره. يؤتيها من يشاء. وإذا حملت على الدعاء فظاهر.

وقرر بعض المتكلمين في هذا فصل، بأن قال: ما معناه: إن كل من رحم أحدا، فرحمته له بسبب ما حصل له عليه من الرقة، فهو برحمته دافع لألم الرقّة عن نفسه، بخلاف رحمة الله تعالى، فإنها لمجرد إيصال النفع إلى العبد.

وأما الطيبات فقد فسرت بالأقوال الطيبات، ولعل تفسيرها بما هو أعمّ أولى، أعني


(١) "لسان العرب" ج ٢ ص ١٠٧٨ - ١٠٧٩.
(٢) انظر "الفتح" ج ٢ ص ٥٧٧.