وأما الذي في آخر الصلاة، وهو سلام التحلل، فاختلف أصحابنا فيه، فمنهم من جوّز الأمرين فيه هكذا، ويقول: الألف واللام أفضل، ومنهم من أوجب الألف واللام؛ لأنه لم ينقل إلا بالألف واللام، ولأنه تقدم ذكره في التشهد، فينبغي أن يعيده بالألف واللام، ليعود التعريف إلى سابق كلامه، كما يقول: جاءني رجل، فأكرمت الرجل. انتهى (١).
وقال الحافظ رحمه الله تعالى: لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - بحذف الألف واللام، وإنما اختلف ذلك في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، وهو من أفراد مسلم. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لا ينقضي عجبي من النووي -رحمه الله-، كيف ذكر الخلاف في جواز الحذف المذكور، وهو يعلم أنه لم يثبت في شيء من الروايات إلا معرفا، ثم لا يتعقبه؟ إن هذا لشيء عجيب!.
اللَّهم إلا أن يكون مراه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، لكن ظاهر عبارته يأبى ذلك!.
والحاصل أن القول بالحذف المذكور مخالف للتعليم النبوي، ومنابذ للسنة، فلا يجوز القول به. فتبصر، ولا تتحير، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
قال الطيبي -رحمه الله-: أصل سلام عليك سلَّمتُ عليك سلاما، ثم حذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه، وعُدلَ عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره.
ثم التعريف إما للعهد التقديري، أي ذلك السلام الذي وُجِّهَ إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي، وكذلك السلام الذي وُجِّهَ إلى الأمم السالفة علينا، وعلى إخواننا.
وإما للجنس، والمعنى أن حقيقة السلام الذي يعرفه كلّ واحد عمن يصدر، وعلى من ينزل عليك وعلينا.
ويجوز أن يكون للعهد الخارجي، إشارة إلى قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: ٥٩] قال: ولا شك أن هذه التقادير أولى من تقدير النكرة. انتهى.
وحكى صاحب "الإقليد" عن أبي حامد أن التنكير فيه للتعظيم، وهو وجه من وجوه الترجيح، لا يقصر عن الوجوه المتقدمة.
وقال البيضاوي: علمهم أن يفردوه - صلى الله عليه وسلم - بالذكر، لشرفه، ومزيد حقه عليهم، ثم علمهم أن يخصصوا أنفسهم أوّلًا، لأن الاهتمام بها أهمّ، ثم أمرهم بتعميم السلام على
(١) "شرح صحيح مسلم" ج ٤ ص ١١٧.