للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أيها النبي فلما مات قالوا: "السلام على النبي". وهذا إسناد صحيح.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه من أنهم كانوا يقولون بلفظ الخطاب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي، فلما مات قالوه بلفظ الغيبة، إنما قالوه اجتهادًا منهم، لا من تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم، فلا يكون دليلا يُعمل به، بل التعليم النبوي باق أبدا؛ لعدم وجود ما ينسخه، ولو كان يتغير الحكم بموته - صلى الله عليه وسلم - لما أغفله، {وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤]، ولا يقتضي قول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "قلنا" كونه إجماعا من الصحابة، بل هو لبعضهم، بدليل أن الصحابة الآخرين ما زالوا يعلمون التابعين بلفظ الخطاب، كما يأتي في حديث أبي موسى الأشعري، وغيره، فدلّ على أن ما قاله ابن مسعود ليس محل إجماع، بل هو رأي لبعضهم، وكذا الكلام فيما قاله عطاء، ولأن الكثيرين من الصحابة في زمنه - صلى الله عليه وسلم - يغيبون في البلدان النائية عنه - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينقل عنه أنه علمهم خلاف ما علم الحاضرين لديه.

والحاصل أن التعليم النبوي لا يُترك بما قاله بعض الصحابة اجتهادًا. والله تعالى أعلم.

وأما ما رَوَى سعيد بن منصور من طريق أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمهم التشهد، فذكره، قال: فقال ابن عباس: إنما كنا ن قوله: "السلام عليك أيها النبي" إذ كان حيّا، فقال ابن مسعود: هكذا علمنا، وهكذا نعلم، فظاهر أن ابن عباس قاله اجتهادًا، وأن ابن مسعود لم يرجع إليه، لكن رواية أبي معمر أصحّ، لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، والإسناد إليه مع ذلك ضعيف.

[فإن قيل]: لم عدل عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوة، مع أن الوصف بالرسالة أعمّ في حق البشر؟.

أجاب بعضهم بأن الحكمة في ذلك أن يجمع له الوصفين، لكونه وصفه بالرسالة في آخر التشهد، وإن كان الرسول البشري يستلزم النبوّة، لكن التصريح بهما أبلغ.

[قيل]: الحكمة في تقديم الوصف بالنبوة أنها كذا وجدت في الخارج، لنزول قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١] قبل قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)} [المدثر: ١، ٢] والله تعالى أعلم (١).

(ورحمة الله) قال العيني: الرحمة عبارة عن إنعامه عليه، وهو المعنى الغائي؛ لأن معناها اللغوي الحُنُوّ والعطف، فلا يجوز أن يوصف الله به. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله العيني من أن الله لا يوصف بالرحمة بمعناها


(١) "فتح" ج ٢ ص ٥٧٨ - ٥٧٩.
(٢) "عمدة القاري" ج ٦ ص ١١٢.