كان فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا، وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة يصلي، ويبكي حتى أصبح". راه أحمد وابن خزيمة في "صحيحه".
وحديث عائشة في قصة أبي بكر بمكة قبل الهجرة، قالت: "وكان أبو بكر رجلا بكّاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن". وهو في "صحيح البخاري".
وعن عبد الله بن شداد، قال: سمعت نشيج عمر، وأنا في آخر الصفوف في الصلاة، وهو يقول:{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف: آية: ٨٦] علقه البخاري في "الصحيح"، ووصله سعيد بن منصور في "سننه".
والنشيج: صوت معه ترجيع كما يرد الصبي بكاءه في صدره، وقيل، هو أشد البكاء.
وعن عبيد بن عمير، قال: صلى بنا عمر بن الخطاب صلاة الصبح، فافتتح سورة يوسف، فقرأها حتى بلغ:{وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} الآية [يوسف: ٨٤] بكى حتى انقطع، فركع. انتهى كلام ابن المنذر بتصرف (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الإمام ابن المنذر رحمه الله -تعَالَى- من كون البكاء في الصلاة مباحًا هو الراجح عندي.
وحاصله أن البكاء في الصلاة لا يبطلها، قليلًا كان أو كثيرًا، ظهر منه حرفان، أم لا؛ للأحاديث المذكورة، ولحديث عائشة - رضي الله عنها - في قصة إمامة أبي بكر - رضي الله عنه -: "إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء". . . الحديث. ولأن الله -تَعَالَى- مدح البكائين في كتابه، فقال:{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ}[الإسراء: الآيات: ١٠٧ - ١٠٩] الآية. وقال:{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}[مريم: الآية: ٥٨] وأفضل أركان الصلاة تلاوة القرآن، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصلاة طول القنوت". أي القيام. فالبكاء في تلاوة القرآن مطلوب في الصلاة وخارجها، فلو كان مبطلا لها لبينه النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل ثبت عنه ما يقرره، فكان يبكي في صلاته، كما بينته أحاديث الباب. والله -تَعَالَى- أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".