للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأخرجه (أحمد) ٤/ ٢٥ و ٤/ ٢٦ (وعبد بن حميد) رقم-٥١٤ (وابن خزيمة) ٩٠٠. والله -تَعَالَى- أعلم.

المسألة الرابعة: في فوائده:

منها: ما بوّب له المصنف، وهو جواز البكاء في الصلاة. وأنه لا يبطلها.

ومنها: ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من شدة الخوف والبكاء مع أن الله -تَعَالَى- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.

ومنها: أنه ينبغي للمسلم أن يكون دائم الخوف من الله -تَعَالَى- حتى في الصلاة التي هي من أعظم القربات، فإنها إنما تنفع إذا كانت بالخشوع والخوف من الله سبحانه، قال الله -تَعَالَى-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: الآيتان:١, ٢]. والله -تَعَالَى- أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الخامسة: في اختلاف أهل العلم في حكم البكاء في الصلاة:

ذهبت الحنفية إلى أن البكاء غير مبطل للصلاة إذا كان من خشية الله -تَعَالَى-، أو لذكر الجنة والنار، قالوا: لأنه يدل على زيادة الخشوع، وهو المقصود في الصلاة، فكان بمنزلة التسبيح والدعاء، واستدلوا بحديث الباب، فإن كان البكاء لغير ذلك، كأن كان لِوَجَعٍ، أو مصيبة بطلت الصلاة، لأن فيه إظهار الأسف والجزع، فكأنه قال: أعينوني، فإني متوجع، والأنين والتأوه كالبكاء عندهم. وعن أبي يوسف أن هذا التفصيل إذا كان البكاء على أكثر من حرفين، أو حرفين أصليين، أما إذا كان على حرفين من حروف الزيادة، أو أحدهما من حروف الزيادة والآخر أصلي، فلا تفسد.

وذهبت المالكية إلى أن البكاء لخوف الله والدار الآخرة غير مبطل للصلاة، ولو بصوت وإن كان لغير ذلك، فإن كان بلا صوت فيغتفر، وإن كان بصوت فكالكلام، فإن كان عمدا أبطل قليله وكثيره، وإن كان سهوا أبطل كثيره دون يسيره.

وذهبت الشافعية إلى أنه إن ظهر من البكاء حرفان فمبطل مطلقًا، سواء كان لخشية الله -تَعَالَى- أم لا.

وذهبت الحنابلة إلى أنه إن كان لخشية الله -تَعَالَى- فغير مبطل، ظهر منه حرفان أم لا، وإن كان لغيره، فإن ظهر منه حرفان أبطل ما لم يكن غلبة، وإلا فلا (١).

قال أبو بكر ابن المنذر رحمه الله: البكاء في الصلاة مباح يدلّ على إباحته غير خبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك حديث علي - رضي الله عنه -، المذكور في الباب, وحديثه: "ما


(١) انظر "المنهل" ج ٥ ص ٣٥٣ - ٣٥٤.