للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يمكسه، ويعاقبه.

وفيه أن الله -تَعَالَى- أقدره على ذلك، وأمكنه منه، ويؤيد ذلك ما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عند الشيخين وغيرهما: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن عفريتا من الجنّ جعل يَفْتكُ عليّ البارحةَ ليقطع عليّ الصلاةَ، وإن الله أمكنني منه، فَذَعَتُّهُ، فَلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون -أو كلكم- ثم ذكرت أخي سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: آية ٣٥] فرده الله خاسئًا". لفظ مسلم.

وقوله: "فذعته" بالذال المعجمة: أي خنقته. وفي رواية "فدعته" بالدال المهملة: أي دفعته دفعًا شديدًا.

وكتب السندي على قوله: "ثم أردت أن آخذه": ما نصه: لا يلزم منه أنّ أخذه وربطه غير مفسد، لجواز أن يكون مفسدًا، ويحمل له ذلك لضرورة، أو بلا ضرورة، نعم يلزم أن تكون إرادته غير مفسدة، فليفهم. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في قول السندي هذا نظر لا يخفى، فمن أين له أن أخذه، وربطه يفسد الصلاة؟، والنص الذي معنا يدلّ على عدم الفساد، وهل يريد - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل في الصلاة ما يفسدها، ثم لا يبينه للناس؟ بل يعلل تركه لأخذه وربطه بما ذكره من قصة سليمان عليه السلام، إن هذا فهم بعيد عن الصواب، فتأمله بإنصاف، ولا تتحير باعتساف، والله -تَعَالَى- الهادي إلى سواء السبيل.

(والله) فيه جواز الحلف من غير استحلاف, لتفخيم ما يخبر به الإنسان، وتعظيمه, والمبالغة في صحته وصدقه، وقد كثرت الأحاديث بمثل هذا. قاله النووي رحمه الله -تَعَالَى- (١).

(لولا دعوة أخينا سليمان) عليه الصلاة والسلام بقوله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} الآية [ص: ٣٥].

قال القاضي عياض رحمه الله: معناه أنه مختص بهذا، فامتنع نبينا - صلى الله عليه وسلم - من ربطه، إما لأنه لم يقدر عليه لذلك، وإما لكونه لمّا تذكر ذلك لم يتعاط ذلك لظنه أنه لم يقدر عليه، أو تواضعًا وتأدبًا انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: تركه تواضعًا وتأدبًا هو الظاهر. والله -تَعَالَى- أعلم.


(١) "شرح مسلم" ج ٥ ص ٣١.
(٢) "شرح مسلم" ج ٥ ص ٢٩.