والغول والقطرب، وهذا إن ثبت كان جامعًا للقولين الأولين، ويؤيده ما روى ابن حبان والحاكم من حديث أبي ثعلبة الخُشَنيّ - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الجن ثلاثة أصناف، صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وعقارب، وصنف يحلون، ويظعنون".
وروى ابن أبي الدنيا من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - مرفوعًا نحوه، لكن قال في الثالث:"وصنف عليهم الحساب والعقاب".
وروى ابن أبي الدنيا من طريق يزيد بن يزيد بن جابر أحد ثقات الشاميين من صغار التابعين، قال: ما من أهل بيت إلا وفي سقف بيتهم من الجن، وإذا وضع الغداء نزلوا فتغدوا معهم، والعَشَاء كذلك.
واستدل من قال بأنهم يتناكحون بقوله -تَعَالَى-: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ}[الرحمن، الآية: ٥٦] وبقوله: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي}[الكهف، الآية ٥٠] والدلالة من ذلك ظاهرة.
واعتلّ من أنكر ذلك بأن الله -تَعَالَى- أخبر أن الجانّ خلق من نار، وفي النار من اليبوسة والخفة ما يمنع التوالد.
والجواب أن أصلهم من النار كما أن أصل الآدمي من التراب، وكما أن الآدمي ليس طينًا حقيقة كذلك الجني ليس نارا حقيقة.
وقد وقع في "الصحيح" في قصة تعرض الشيطان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"فأخذته، فخنقته حتى وجدت برد ريقه على يدي".
وبهذه يندفع إيراد من استشكل قوله -تَعَالَى-: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}[الصافات، الآية: ١٠]، فقال: كيف تحرق النار النار؟.
وأما قول البخاري:"وثوابهم وعقابهم". فلم يختلف من أثبت تكليفهم أنهم يعاقبون على المعاصي، واختلف هل يثابون؟ فروى الطبري، وابن أبي حاتم من طريق أبي الزناد موقوفًا، قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، قال الله لمؤمن الجن، وسائر الأمم -أي من غير الإنس-: كونوا ترابا، فحينئذ يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا.
ورُوي عن أبي حنيفة نحو هذا القول.
وذهب الجمهور إلى أنهم يثابون على الطاعة، وهو قول الأئمة الثلاثة، والأوزاعي، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وغيرهم.