للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم اختلفوا، هل يدخلون مدخل الإنس؟ على أربعة أقوال: أحدها: نعم، وهو قول الأكثرين.

وثانيها: يكونون في ربض الجنة، وهو منقول عن مالك، وطائفة. وثالثها: إنهم أصحاب الأعراف.

ورابعها: التوقف عن الجواب في هذا.

وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي يوسف، قال: قال ابن أبي ليلى في هذا: لهم ثواب قال: فوجدنا مصداق ذلك في كتاب الله -تَعَالَى- {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام، الآية: ١٣٢].

قال الحافظ: وإلى هذا أشار البخاري بقوله قبلها. {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام، الآية: ١٣٠]، فإن قوله: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} يلي الآية التي بعد هذه الآية.

واستدلّ بهذه الآية أيضًا ابن عبد الحكم. واستدل ابن وهب بمثل ذلك بقوله -تَعَالَى-: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} [الأحقاف، الآية: ١٨] الآية. فإن الآية بعدها أيضًا: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}.

وروى أبو الشيخ في تفسيره عن مغيث بن سُميّ أحد التابعين، قال: ما من شيء إلا وهو بسمع زفير جهنم، إلا الثقلين الذين عليهم الحساب والعقاب.

ونقل عن مالك أنه استدلّ على أن عليهم العقاب، ولهم الثواب بقوله -تَعالَى-: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن، الآيتان ٤٦, ٤٧]، ثم قال: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، والخطاب للإنس والجن.

فإذا ثبت أن فيهم مؤمنين، والمؤمن من شأنه أن يخاف مقام ربه ثبت المطلوب. واللَّه -تَعَالَى- أعلم. انتهى ما كتبه الحافظ رحمه الله -تَعَالَى- بتصرف يسير وهو بحث نفيس جدّا (١). والله -تَعَالَى- أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) راجع "فتح الباري" ج ٦ ص ٤٩٧ - ٥٠٠.