للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لا على ما يوجد في النفس من غير عمل على مقتضاه عندهم. انتهى (١).

(ورجال منا) مبتدأ سوغه التفصيل، أو الوصف بالجار والمجرور، وخبره جملة قوله (يأتون الكهان) -بضم الكاف، وتشديد الهاء- جمع كاهن. يقال: كَهَنَ له، كمَنَعَ، ونَصَرَ، وكَرُمَ، كَهَانَةً بالفتح، وتكهّن تكهُّنًا: قَضَى له بالغيب، فهو كاهن، جمعه كَهَنَة، وكُهّان، ككافر وكَفَرَة، وكُفَّار، وحرفته: الكهانة بالكسر. أفاده في "ق".

قال الخطابي رحمه الله: كان في العرب كَهَنَة يدّعون كثيرا من الأمور، فمنهم من يزعم أن له رَئيًا من الجن، يُلقي إليه الإخبار. ومنهم من يدّعي استدراك ذلك بفهم أعطيه. ومنهم من يُسَمَّى عرّافا، وهو الذي يزعم معرفة الأمور بمقدمات أسباب، يستدلّ بها لِمَعْرِفَةِ من سرق الشيء الفلانيّ، ومعرفة من يتهم بالمرأة، ونحو ذلك، ومنهم من يُسَمِّي المنجم كاهنا. قال: والحديث يشتمل على النهي عن إتيان هؤلاء كلهم، والرجوع إلى قولهم، وتصديقهم فيما يدّعونه. انتهى.

(قال) - صلى الله عليه وسلم - (فلا تأتوهم) فيه النهي عن إتيان الكهان، والنهي فيه للتحريم.

قال النووي رحمه الله: قال العلماء: إنما نهي عن إتيان الكُهّان لأنهم قد يتكلمون في مغيبات، قد يُصادف بعضُها الإصابةَ، فَيُخاف الفتنةُ على الإنسان بسبب ذلك، ولأنهم يُلبسون على الناس كثيرا من أمر الشرائع. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكُهَّانِ، وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يُعْطَون من الحُلْوَان، وهو حرام بإجماع المسلمين، وقد نقل الإجماع في تحريمه جماعة، منهم أبو محمد البغوي رحمهم الله -تَعَالَى-: قال البغوي: اتفق أهل العلم على تحريم حُلْوان الكاهن، وهو ما أخذه المتكهن على كهانته، لأن فعل الكهانة باطل لا يجوز أخذ الأجرة عليه.

وقال الماوردي رحمه الله -تَعَالَى- في "الأحكام السلطانية": ويَمْنَعُ المحتسبُ الناسَ من التكسب بالكهانة واللَّهو، ويؤدب عليه الآخذ والمعطي.

وقال الخطابي رحمه الله -تَعَالَى-: حُلْوَان الكاهن ما يأخذه المتكهن على كهانته، وهو محرم، وفعله باطل، قال: وحُلْوَان العَرَّاف حرام أيضا.

قال: والفرق بين العرّاف والكاهن أن الكاهن إنما يتعاطى الأخبار عن الكوائن في المستقبل، ويدّعى الأسرار، والعَرّاف يتعاطى معرفة الشيء المسروق، ومكان الضالّة، ونحوهما. انتهى (٢).

(قال) معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - (يا رسول الله ورجال منّا يخُطُّون) أي يستعملون خطّا


(١) "شرح مسلم" ج ٥ ص ٢٢ - ٢٣.
(٢) راجع "شرح مسلم" للنووي رحمه الله ج ٥ ص ٢٣.