للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما كلام الجاهل إذا كان قريب عهد بالإسلام، فهو ككلام الناس، فلا تبطل الصلاة بقليله، لحديث معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - هذا الذي نحن فيه، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بإعادة الصلاة، لكن علّمه تحريم الكلام فيما يستقبل.

قال الجامع عفا الله تعَالَى عنه: سيأتي البحث عن حكم الكلام في الصلاة مستوفى في المسألة الخامسة، إن شاء الله -تَعَالَى-.

قال: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن"، فمعناه هذا ونحوُهُ، فإن التشهد، والدعاء، والتسليم من الصلاة، وغير ذلك من الأذكار مشروع فيها، فمعناه: لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، ومخاطباتهم، وإنما هي التسبيح، وما في معناه من الذكر، والدعاء، وأشباههما، مما ورد به الشرع. انتهى "شرح مسلم" ببعض تصرف ج-٥ ص ٢١.

وقال الشوكاني رحمه الله: قوله: "إنما هو التسبيح الخ" هذا الحصر يدلّ بمفهومه على منع التكلم في الصلاة بغير الثلاثة.

وقد تمسكت به الطائفة القائلة بمنع الدعاء في الصلاة بغير ألفاظ القرآن، من الحنفية والهادوية.

ويجاب عنهم بأن الأحاديث المثبتة لأدعية وأذكار مخصوصة في الصلاة مُخَصِّصَةٌ لعموم هذا المفهوم، وبناءُ العامّ على الخاصّ متعين، لا سيما بعد ما تقرّر أن تحريم الكلام كان بمكة (١)، كما قدّمنا، وأكثر الأدعية والأذكار في الصلاة كانت بالمدينة، وقد خَصَّصوا هذا المفهوم بالتشهد، فما وجه امتناعهم من التخصيص بغيره، وهذا واضح، لا يلتبس على من له أدنى نظر في العلم، ولكن المتعصب أعمى، وكم من حديث صحيح، وسنة صريحة قد نصبوا هذا المفهوم العامّ في مقابلتها، وجعلوه معارضا لها، وردّوها به، وغفلوا عن بطلان معارضة العامّ بالخاصّ، وعن رُجْحان المنطوق على المفهوم، إن سُلِّمَ التعارُضُ. انتهى كلام الشوكاني رحمه الله -تَعَالَى (٢) -، وهو كلام حسن جدًا.

وقال النووي رحمه الله: وفيه دليل على أن من حلف لا يتكلم، فسبح، أو كبر، أو قرأ القرآن لا يحنث، وهذا هو الصحيح في مذهبنا.

قال: وفيه دلالة لِمَذْهَبِ الشافعي رحمه الله -تَعَالَى- والجمهور أن تكبيرة الإحرام فرض من فروض الصلاة، وجزء منها.


(١) الراجح أن نسخ الكلام كان بالمدينة، لا بمكة، كما سيأتي في الكلام على حديث زيد بن أرقم - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بعد هذا الحديث، إن شاء الله تَعَالَى.
(٢) "نيل الأوطار" ج-٣ ص ٢١١.