والكلام ساهيًا في الصلاة ليس من هذا الباب بسبيل.
فلو أن إمامًا سأل الناس اليوم، وهو عند نفسه أنه قد أكمل الصلاة، ثم تبين له أنه لم يكملها بنى على صلاته، وإذا سأل أصحابه، فكانوا في السهو مثله، فسبيلهم سبيله، وإن علموا أنهم لم يكملوا صلاتهم، فأجابوا إمامهم كانوا مفسدين لصلاتهم، وعليهم الإعادة. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله تَعَالى ملخصًا (١). وهو بحث نفيس جدًا.
وقد حقق بحث الكلام في الصلاة الإمام النووي رحمه الله -تَعَالَى- في كتابه الحافل الكافل "المجموع"، بتفصيل مستوعب مفيد، فقال: هو ثلاثة أقسام:
(أحدها): أن يتكلم عامدًا، لا لمصلحة الصلاة، فتبطل صلاته بالإجماع، نقل الإجماع فيه ابن المنذر وغيره، لحديث معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - يعني حديث الباب- وحديث ابن مسعود، وحديث جابر، وحديث زيد بن أرقم - رضي الله عنهم - وغيرها من الأحاديث التي سنذكرها، إن شاء الله -تَعَالَى-.
(الثاني): أن يتكلم لمصلحة الصلاة بأن يقوم الإمام إلى خامسة، فيقول: قد صلّيت أربعًا، أو نحو ذلك، فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنه تبطل الصلاة به، وقال الأوزاعي: لا تبطل، وهي رواية مالك، وأحمد، لحديث ذي اليدين.
ودليل الجمهور عموم الأحاديث الصحيحة في النهي عن الكلام، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نابه شيء في صلاته فليسبح الرجال، وليصفق النساء"، ولو كان الكلام مباحًا لمصلحتها لكان أسهل وأبين، وحديث ذي اليدين جوابه ما سنذكره، إن شاء الله -تَعَالَى-.
(الثالث): أن يتكلم ناسيًا، ولا يطول كلامه، فمذهبنا أنه لا تبطل صلاته، وبه قال جمهور العلماء، منهم ابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير، وأنس، وعروة بن الزبير، وعطاء، والحسن البصري، والشعبي، وقتادة، وجميع المحدثين، ومالك، والأوزاعي، وأحمد في رواية، وإسحاق، وأبو ثور، وغيرهم، - رضي الله عنهم -.
وقال النخعي، وحماد بن أبي سليمان، وأبو حنيفة، وأحمد في رواية: تبطل، ووافقنا أبو حنيفة أن سلام الناسي لا يبطلها.
واحتُجَّ لمن قال تبطل بحديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، قال: كنا نسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو في الصلاة، فيردّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمت عليه, فلم يردّ علي، فقلت: يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة، فترد علينا؟ فقال: "إن في الصلاة شغلًا". رواه الشيخان. وفي رواية أبي داود وغيره زيادة: "وإن الله يحدث من
(١) "الأوسط" ج ٣ ص ٢٣٤ - ٢٣٩.