مَحْمُودًا}، قال: يوسع له على العرش، فيُجلسه معه، وهذا قول مخالف للجماعة من الصحابة، ومن بعدهم، فالذي عليه العلماء في تأويل هذه الآية أن المقام المحمود الشفاعةُ. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: فنحن نقول هنا فيما نُقل عن مالك رحمه الله -إن صح عنه-: إنه مردود بالسنة الصحيحة، وبما ثبت عن السلف في هذا الباب.
والحاصل أن المعنى الصحيح أن نزول الرب سبحانه وتعالى على ظاهره، فينزل ربنا سبحانه كلّ ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير حقيقةً، نزولًا يليق بجلاله، والله -تَعَالَى- أعلم.
قال أبو عمر رحمه الله: وقال آخرون: ينزل بذاته، ثم أخرج عن نعيم بن حماد، قال: ينزل بذاته، وهو على كرسيه.
قال أبو عمر: ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة، لأن هذا كيفية، وهم يفزعون منها، لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عيانا، وقد جلّ الله وتعالى عن ذلك، وما غاب عن العيون، فلا يصفه ذوو العقول إلا بخبر، ولا خبر في صفات الله إلا ما وصف نفسه به في كتابه، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلا نتعدّى ذلك إلى تشبيه، أو قياس، أو تمثيل، أو تنظير، فإنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
وقال أبو عمر رحمه الله أيضًا: أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة، لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك، ولا يَحُدُّون فيه صفة محصورة.
وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقرّ بها مشبّه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود.
والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهم أئمة الجماعة، والحمد لله.
روى حرملة بن يحيى، قال: سمعت عبد الله بن وهب، يقول: سمعت مالك بن أنس، يقول: من وصف شيئًا من ذات الله، مثل قوله:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} الآية [المائدة: ٦٤]، وأشار بيده إلى عنقه، ومثل قوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، فأشار إلى عينيه، أو أذنيه، أو شيئا من بدنه، قُطع ذلك منه، لأنه شبه الله بنفسه، ثم قال مالك: أما سمعت قول البراء - رضي الله عنه - حين حدّث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يُضَحَّى بأربع من الضحايا"، وأشار البراء بيده، كما أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده، قال البراء: ويدي أقصر من يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكره البراء أن يصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إجلالا له، وهو مخلوق، فكيف