للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالشك، وفي رواية له قال محمد: "وأكثر ظني أنها العصر". ولمسلم "إحدى صلاتي العشي، إما الظهر، وإما العصر".

قال الحافظ رحمه الله تعالى: والظاهر أن الاختلاف فيه من الرواة، وأبعدَ من قال: يُحمل على أن القصة وقعت مرتين، بل الظاهر أن أبا هريرة رواه كثيرًا على الشك، وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر، فجزم بها، وتارة غلب على ظنه أنها العصر، فجزم بها، وطرأ الشك في تعيينها أيضا على ابن سيرين، وكان السبب في ذلك الاهتمام بما في القصّهَ من الأحكام الشرعية، ولم تختلف الرواة فىِ حديث عمران في قصة الخرباق أنها العصر، فإن قلنا: إنهما قصة واحدة، فيترجح رواية مَنْ عَيّنَ العصرَ في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. انتهى (١).

(قال) أبو هريرة - رضي الله عنه - (فصلى بنا ركعتين، ثم سلم، فانطلق) أي ذهب (إلى خشبة معروضة في المسجد) أي موضوعة بالعَرْض، وفي رواية للبخاري: "ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد"، ولمسلم من طريق ابن عيينة، عن أيوب "ثم أتى جذعًا في قبلة المسجد، فاستند إليها مغضبًا".

قال الحافظ رحمه الله تعالى: ولا تنافي بين هذه الروايات، لأنها تحمل على أن الجذع قبل اتخاذ المنبر كان ممتدّا بالعرض، وكأنه الجذع الذي كان - صلى الله عليه وسلم - يستند إليه قبل اتخاذ المنبر، وبذلك جزم بعض الشرّاح. انتهى.

(فقال بيده عليها) أي اتكأ بيده على تلك الخشبة، وفيه إطلاق القول على الفعل، لأن مادة القول تستعملها العرب لعدة معان، قال ابن الأنباري -رحمه الله-: "قال" تجيء بمعنى "تكلم"، و"ضرب"، و"غلب"، و"مات"، و"مال"، و"استراح"، و"أقبل"، ويعبّر بها عن التهيؤ للأفعال، والاستعداد لها، يقال: قال، فأكل، وقال، فضرب، وقال، فتكلم، ونحوه. ذكره المجد اللغوي -رحمه الله- في "ق". ونظمت ذلك بقولي:

تجَيءُ "قَالَ" لِمَعَانٍ تُجتَلَى … تَكَلَّمَ اسْتَرَاحَ مَاتَ أَقْبَلَا

وَمَالَ مَعْ ضَرَبَ ثُمَّ غَلَبَا … وَلِلتَّهَيُّؤ لِفِعْلٍ يُجْتَبَى

فَجُمْلَةُ الْمَعَانِ قُلْ ثَمَانِيَهْ … فَاحْفَظْ فَإِنَّها مَعَانٍ سَامِيَهْ (٢)

(كأنه غضبان) أي كأن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحالة مشابه لحالة من غضب بسبب شىء رآه، أو سمعه.


(١) "فتح" جـ ٣ ص ٤٢٧ - ٤٢٨.
(٢) هذه الأبيات تقدمت في هذا الشرح، وإنما أعيدت تذكيرًا لطول العهد بها. فتنبه.