ففي هذا المقام غلبت عليهما الهيبة له - صلى الله عليه وسلم - مع علمهما بأنه سيتبين أمرُ مَا وقع.
وأما إقدام ذي اليدين على السؤال والفحص ابتداءً، فهو لشدة حرصه على تعلم العلم، واعتنائه بأمر الصلاة. انتهى (١).
وقوله:"أن يكلماه" في موضع نصب بدل من الهاء في "هاباه", بدل ظاهر من مضمر، وهو بدل اشتمال، والتقدير "فهاباه تكليمه"، والمعنى "هابا تكليمه"، لأن البدل هو المقصود بالنسبة. أفاده العلائي رحمه الله تعالى.
(وفي القول رجل) مبتدأ وخبر (في يديه طول) مبتدأ وخبر أيضًا، والجملة في محلّ رفع صفة "رجل"، أو في محلّ نصب حال منه، وإن كان نكرة، لتقدم الخبر، الجارّ والمجرور عليه.
والمعنى: أنه كان مع القوم رجل موصوف بطول اليدين. وهو محمول على الحقيقة، ويحتمل أن يكون كناية عن طولهما بالعمل، أو بالبذل. قاله القرطبي. وجزم ابن قتيبة بأنه كان يعمل بيديه جميعًا. وحكي عن بعض شُرّاح "التنبيه" أنه قال: كان قصير اليدين، فكأنه ظن أنه حميد الطويل، فهو الذي فيه الخلاف.
والصواب التفرقة بين ذي اليدين وذي الشمالين، وذهب الأكثر إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق -بكسر المعجمة، وسكون الراء، بعدها موحّدة، وآخره قاف- اعتمادًا على ما وقع في حديث عمران بن حصين - رضي الله عنهما - عند مسلم، ولفظه "فقام رجل، يقال له: الخرباق، وكان فى يده طول"، وهذا صنيع من يُوَحِّدُ حديثَ أبي هريرة بحديث عمران، قال الحافظ: وهو الراجح في نظري، وإن كان ابن خزيمة، ومن تبعه جَنَحُوا إلى التعدد، والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياقين، ففي حديث أبي هريرة أن السلام وقع من اثنتين، وأنه - صلى الله عليه وسلم - قام إلى خشبة في المسجد، وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات، وأنه دخل منزله لمّا فرغ من الصلاة.
فأما الأول: فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد به أنه سلّم في ابتداء الركعة الثالثة، واستبعده. ولكن طريق الجمع يُكتفى فيها بأدنى مناسبة، وليس بأبعد من دعوى تعدد القصّة، فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كلّ مرّة استفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، واستفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابةَ عن صحّة قوله.
وأما الثاني: فلعلّ الراوي لمّا رآه تقدم من مكانه إلى جهة الخشبة ظن أنه دخل منزله، لكون الخشبة كانت في جهة منزله، فإن كان كذلك، وإلا فرواية أبي هريرة