للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

صريح في نفي كلّ منهما، وهو صحيح ثابت كما تقدّم.

ثالثها: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لم أنس" راجع إلى السلام، أي سلّمت قصدًا، وسهوت عن العدد، فكأنه نفى السهو فى نفس السلام، لا في غيره. ولا شكّ أن هذا كلام صحيح، وهذا وجه محتمل، ولكنه بعيد من جهة أن مقتضاه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: هذا مُريدًا لهذا المعنى كان عالمًا بسهوه في العدد، ولو كان كذلك لم يسأل القوم الحاضرين مُستثبتًا منهم، هل سها، أم لا؟.

رابعها: الفرق بين السهو والنسيان، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسهو، ولا ينسى، ولذلك نفى عن نفسه النسيان، وقد سبقت الإشارة إلى هذا القول، وأن الفرق بين السهو والنسيان من حيث اللغة بعيد.

وحاصل ما يقول هذا القائل أن النسيان عدم الذكر لأمر لا يتعلق بالصلاة، والسهو عدم الذكر لأمر يتعلق بها، أو نقول: النسيان الإعراض عن تفقد أمور الصلاة حتى يحصل عدم الذكر، والسهو عدم الذكر لا لأجل الإعراض.

وكل من هذين تخصيص للّفظ بلا دليل، ثم إنه يبطل من أصله بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت، فذكّروني".

خامسها: ذكره القاضي عياض، وقال: ويظهر لي أنه أقرب من هذه الوجوه أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لم أنس" إنكار منه للّفظ الذي نفاه عن نفسه، وأنكره على غيره بقوله: "بئسما لأحدهم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو أُنسي"، فلمّا قال له السائل: أقصرت الصلاةُ أم نسيتَ؟ " أنكر قصرها كما كان، ونسيانه هو من قبل نفسه، وإنه وإن كان جرى شيء من ذلك، فقد نُسّي، حتى سأل غيره، فتحقق أنه نُسّي، فكأنه قال: لم أنس حقيقةً، ولكن الله نَسّانِي لأَسُنَّ.

وأيد هذا القول بما رُوي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لستُ أنسى، ولكن أُنَسّى لأسنّ".

فقوله - صلى الله عليه وسلم - هنا: "كلُّ ذلك لم يكن"، أو "لم أنس، ولم تقصر" حقٌّ وصدقٌ، لا خلف فيه أصلًا، فإن الصلاة لم تقصر حقيقة، ولم ينس هو - صلى الله عليه وسلم- حقيقة، ولكنه نسي.

وهذا الوجه أيضًا فيه نظر من وجوه:

أحدها: ما ثبت من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيتُ، فذكّروني"، فقد أضاف هنا النسيان إلى نفسه.

وثانيهما: أن هذا القول لم يصدر من النبي - صلى الله عليه وسلم - على جهة الزجر والإنكار، بل على جهة النفي لما قال ذو اليدين، ولذلك سأل الصحابة - رضي الله عنهم -، واستثبت منهم، ولو كان هذا الكلام منه على جهة الزجر عن إضافة النسيان إليه، أو الإنكار لذلك لم يكن ذلك