يلغي الشكّ، والتحرّي أن يشك في صلاته، فلا يدري ما صلى، فعليه أن يبني على الأغلب عنده. وقال غيره: التحري لمن اعتراه الشكّ مرة بعد أخرى، فيبني على غلبة ظنه، وبه قال مالك، وأحمد، وعن أحمد في المشهور: التحرّي يتعلق بالإمام، فهو الذي يبني على ما غلب على ظنه، وأما المنفرد فيبني على اليقين دائمًا، وعن أحمد رواية أخرى كالشافعية، وأخرى كالحنفية. وقال أبو حنيفة: إن طرأ الشك أولًا استأنف، وإن كَثُر بنى على غالب ظنه، وإلا فعلى اليقين. ونقل النووي أن الجمهور مع الشافعي، وأن التحري هو القصد، قال الله تعالى:{فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا}[الجن: ١٤]، وحكى الأثرم عن أحمد في معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا غرَار في صلاة"، قال: أن لا يخرج منها إلا على يقين. فهذا يقوي قول الشافعي. وأبعد من زعم أن لفظ التحري في الخبر مدرج من كلام ابن مسعود، أو ممن دونه، لتفرّد منصور بذلك عن إبراهيم، دون رفقته، لأن الإدراج لا يثبت بالاحتمال. انتهى. ما في "الفتح"(١).
قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدم قريبًا أن الراجح في تفسير التحري هو الأخذ بغالب الظن، كما قاله ابن حبان، وإنما رجحناه لأن به العمل بكل من حديث أبي سعيد، وحديث ابن مسعود - رضي الله عنهما -، بدون تأويل متكلَّف، بخلاف غيره من الأقوال. والله تعالى أعلم.
(ولم أفهم بعض حروفه كما أردت) هذه الجملة لا توجد في بعض النسخ، وليست في "الكبرى" أيضًا، والظاهر أنها من كلام المصنف، يعني أنه لم يفهم من شيخه بعض حروف الحديث كما يحبّ أن يفهمه، ولعله لم يتمكن من فهمه بسبب زحام، أو نحوه.
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: فى بيان مواضع ذكر المصنف له:
أخرجه هنا -٢٥/ ١٢٤٠ - وفي "الكبرى" -٦٠/ ١١٦٣ - عن محمد بن رافع، عن يحيى بن آدم، عن مُفَضَّل بن مُهَلْهَل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عنه. وفي -٢٥/ ١٢٤١ - و"الكبرى" -٦٠/ ١١٦٤ - عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخَرِّمي، عن وكيع، عن مسعر، عن منصور به. و-٢٥/ ١٢٤٢ - وفي "الكبرى"-٦٠/ ١١٦٥ -