قيل: فليدع لهم بالبركة، وقيل: يُصلي عندهم بدل أكله.
وقيل: إن الصلاة في اللغة معناها الدعاء، والدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والعابد داع، كما أن السائل داع، وبهما فُسّر قوله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر: ٦٠]، قيل: أطيعوني أُثبكم، وقيل: سلوني أُعطكم، وفُسّر بهما قوله تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة: ١٨٦].
والصواب أن الدعاء يعمّ النوعين، وهذا لفظ متواطىء، لا اشتراك فيه، فمن استعماله في دعاء العبادة قوله تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ}[سبأ: ٢٢]، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ}[النحل: ٢٠]، وقوله تعالى:{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}[الفرقان: ٧٧].
والصحيح من القولين لولا أنكم تدعونه وتعبدونه، أي أيّ شيء يعبأ بكم لولا عبادتكم إياه، فيكون المصدر مضافاً إلى الفاعل، وقال تعالى:{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا}[الأعراف: ٥٥ - ٥٦]، وقال تعالى إخباراً عن أنبيائه ورسله:{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}[الأنبياء: ٩٠].
وهذه الطريقة أحسن من الطريقة الأولى، ودعوى الاختلاف في مسمى الدعاء, وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية، هل هو منقول عن موضوعه في اللغة، فيكون حقيقة شرعيةً، أو مجازاً شرعياً.
فعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة، وهو الدعاء، والدعاء: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة، ودعاء المسألة، فهو في صلاة حقيقية، لا مجاز فيها، ولا منقولة، لكن خُصَّ اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ التي يخصّها أهل اللغة والعرف ببعض مسماها، كالدّابّة، والرأس، ونحوهما، فهذا غايته تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعه، وهذا لا يوجب نقلاً، ولا خروجاً عن موضوعه الأصلي. والله أعلم.
قال العلامة ابن القيّم رحمه الله: هذه صلاة الآدميّ، وأما صلاة الله سبحانه على عبده فنوعان: عامّة، وخاصّة:
أما العامّة فهي صلاته على عباده المؤمنين، قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} الآية، ومنه دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة على آحاد المؤمنين، كقوله: "اللهمّ صلّ