للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تناول جميعهم، فظن من ظنّ أن لفظ "المولى" مشترك بينهما، وأنه عند التجرّد يحمل عليهما، وهذا ليس بصحيح، فإن لفظ "المولى" من الألفاظ المتواطئة، فالشافعيّ في ظاهر مذهبه، وأحمد يقولان بدخول نوعي الموالي في هذا اللفظ، وهو عنده عام متواطىء، لا مشترك.

وأما ما حُكي عن الشافعي رحمه الله أنه قال في مفاوضة جرت له في قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: ٦]، وقد قيل له: قد يراد بالملامسة المجامعة، قال: هي محمولة على الجسّ باليد حقيقةً، وعلى الوقاع مجازاً، فهذا لا يصحّ عن الشافعي، ولا هو من جنس المألوف من كلامه، وإنما هذا من كلام بعض الفقهاء المتأخرين.

فإذا كان معنى الصلاة هو الثناء على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والعناية به، وإظهار شرفه وفضله وحرمته، كما هو المعروف من هذه اللفظة لم يكن لفظ "الصلاة" فى الآية مشتركاً محمولاً على معنييه، بل قد يكون مستعملاً في معنى واحد، وهذا هو الأصل.

(الوجه التاسع): أن الله سبحانه أمر بالصلاة عليه عقب إخباره بأنه وملائكته يُصلّون عليه، والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته يُصلّون على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فصلوا أنتم أيضاً عليه، فأنتم أحقّ بأن تُصلّوا عليه، وتسلموا تسليماً، لما نالكم ببركة رسالته، ويُمن سِفَارته من شرف الدنيا والآخرة.

ومن المعلوم أنه لو عبّر عن هذا المعنى بالرحمة لم يحسن موقعه، ولم يحسن النظم، فينتقض اللفظ والمعنى، فإن التقدير يصير إلى: إن الله وملائكته ترحّم، ويستغفرون لنبيه، فادعوا أنتم له، وسلموا، وهذا ليس مراد الآية قطعاً، بل الصلاة المأمور بها فيها هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته، وصلاة ملائكته، وهي ثناءٌ عليه، وإظهارٌ لفضله وشرفه، وإرادةُ تكريمه وتقريبه، فهي تتضمّن الخبر والطلب، وسُمِّيَ هذا السؤالُ والدعاءُ منّا نحن صلاة عليه لوجهين:

(أحدهما): أنه يتضمن ثناء المصلي عليه، والإشادةَ بنكر شرفه وفضله، والإرادةَ والمحبّةَ لذلك من الله تعالى، فقد تضمنت الخبر والطلب.

(والوجه الثاني): أن ذلك سمي منّا صلاةً، لسؤالنا من الله أن يصلي عليه، فصلاة الله عليه ثناؤه، وإرادته لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتُنا نحن عليه سؤالنا الله تعالى أن يفعل ذلك به، وضدّ هذا في لعنة أعدائه الشانئين لما جاء به، فإنها تُضاف إلى الله، وتضاف إلى العبد، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: ١٥٩]، فلعنة الله تعالى لهم تتضمّن ذمّه وإبعاده وبغضه لهم، ولعنة العبد تتضمّن سؤال الله تعالى أن