للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والخلفُ في جواز الصلاة على غير الأنبياء على ثلاثة أقوال، سنذكرها فيما بعد، إن شاء الله تعالى، فعلم أنهما ليسا بمترادفين.

(الوجه الرابع): أنه لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة، لقامت مقامها في امتثال الأمر، وأسقطت الوجوب عند من أوجبها، إذا قال: اللَّهم ارحم محمداً، وآل محمد، وليس الأمر كذلك.

(الوجه الخامس): أنه لا يقال: لمن رحم غيره، ورقّ عليه، فأطعمه, أو سقاه، أو كساه: إنه صلّى عليه، ويقال: إنه قد رحمه.

(الوجه السادس): أن الإنسان قد يرحم من يُبغضه ويعاديه، فيجد في قلبه له رحمةً، ولا يصلي عليه.

(الوجه السابع): أن الصلاة لابدّ فيها من كلام، فهي ثناء من المصلي على من يُصلي عليه، وتنويه به، وإشارة لمحاسنه ومناقبه وذكره.

ذكر البخاري -رحمه الله- في "صحيحه" تعليقاً جـ ٨ ص ٤٠٩ - عن أبي العالية، قال: صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة.

وصله إسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-" عن نصر بن عليّ، عن خالد بن يزيد، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٦]، قال: صلاة الله عزّ وجلّ ثناؤه عليه، وصلاة الملائكة عليه الدعاء (١).

(الوجه الثامن): أن الله سبحانه فرّق بين صلاته وصلاة ملائكته، وجمعهما في فعل واحد، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}، وهذه الصلاة لا يجوز أن تكون هي الرحمة، وإنما هي ثناؤه سبحانه، وثناء ملائكته عليه، ولا يقال: الصلاة لفظ مشترك، ويجوز أن يستعمل في معنييه معاً، لأن في ذلك محاذير متعدّدة:

(أحدها): أن الاشتراك خلاف الأصل، بل لا يعلم أنه وقع في اللغة من واضع واحد، كما نصّ على ذلك أئمّة اللغة، منهم المبرّد وغيره، دمانما يقع وقوعاً عارضاً اتفاقيّاً بسبب تعدد الواضعين، ثم تختلط اللغة، فيقع الاشتراك.

(الثاني): أن الأكثرين لا يجوّزون استعمال اللفظ المشترك في معنييه، لا بطريق الحقيقة، ولا بطريق المجاز، وما حُكي عن الشافعي رحمه الله من تجويز ذلك، فليس بصحيح عنه، وإنما أُخذ من قوله: إذا أوصى لمواليه، وله موال من فوقُ، ومن أسفلُ


(١) راجع رقم ٩٥ وهو موقوف حسن، ولهذا علّقه البخاري بصيغة الجزم.