للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعوا في صلاته، لم يحمد الله، ولم يصلّ على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "عجل هذا"، ثم دعاه، فقال: "إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتحميد ربّه، والثناء عليه، ثم يصلّ على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يدعو بما شاء".

وهذا مما يدلّ على أن قول ابن مسعود المذكور قريباً مرفوع، فإنه بلفظه.

وقد طعن ابن عبد البرّ في الاستدلال بحديث فَضَالة للوجوب، فقال: لو كان كذلك لأمر المصلي بالإعادة، كما أمر المسيء صلاته، وكذا أشار إليه ابن حزم.

وأجيب باحتمال أن يكون الوجوب وقع عند فراغه، ويكفي التمسك بالأمر في دعوى الوجوب.

وقال جماعة، منهم الجرجاني، من الحنفية: لو كانت فرضا للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، لأنه علّمهم التشهد، وقال: "فيتخيّر من الدعاء ما شاء"، ولم يذكر الصلاة عليه.

وأجيب باحتمال أن لا تكون فُرضت حينئذ.

وقال الحافظ العراقي رحمه الله في شرح الترمذي: قد ورد هذا في الصحيح بلفظ "ثم ليتخيّر"، و"ثُمَّ" للتراخي، فدلّ على أنه كان هناك شىء بين التشهد والدعاء.

واستدلّ بعضهم بما ثبت في "صحيح مسلم" من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، رفعه: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير، فليستعذ بالله من أربع" … الحديث. وعلى هذا عوّل ابن حزم في إيجاب هذه الاستعاذة في التشهد، وفي كون الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- مستحبّةً عقب التشهد، لا واجبة، وفيه ما فيه. والله تعالى أعلم.

وقد انتصر ابن القيم للشافعي، فقال: أجمعوا على مشروعية الصلاة عليه في التشهد، وإنما اختلفوا في الوجوب والاستحباب، وفي تمسّك من لم يوجبه بعمل السلف الصالح نظر، لأن عملهم كان بوفاقه، إلا إن كان يريد بالعمل الاعتقاد، فيحتاج إلى نقل صريح بأن ذلك ليس بواجب، وأنّى يوجد ذلك؟، قال: وأما قول عياض: إن الناس شنّعوا على الشافعي، فلا معنى له، فأيّ شناعة في ذلك، لأنه لم يخالف نصاً، ولا إجماعاً، ولا قياساً، ولا مصلحة راجحة؟، بل القول بذلك من محاسن مذهبه، وأما نقله مِنَ الإجماعِ فقد تقدّم ردّه، وأما دعواه أن الشافعيّ اختار تشهد ابن مسعود، فيدلّ على معرفته باختيارات الشافعي، فإنه إنما اختار تشهد ابن عبّاس.

وأما ما احتجّ به جماعة من الشافعية من الأحاديث المرفوعة الصريحة في ذلك، فإنها ضعيفة، كحديث سهل بن سعد، وعائشة، وأبي مسعود، وبُريدة، وغيرهم، وقد