للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

استوعبها البيهقي في "الخلافيات" (١)، ولا بأس بذكرها للتقوية، لا أنها تنهض بالحجة.

قال الحافظ: ولم أر عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب، إلا ما نُقل عن إبراهيم النخعي، ومع ذلك فلفظ المنقول عنه كما تقدّم يشعر بأن غيره كان قائلاً بالوجوب، فإنه عبّر بالإجزاء انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لقد أجاد العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في تقرير مذهب الشافعي القائل بالوجوب في آخر التشهد، فقال بعد أن ذكر أدلة النفاة، وناقشها: ما نصه:

اسمعوا أدلتنا الآن على الوجوب، فلنا عليه أدلّة:

(الدليل الأوّل): قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦].

ووجه الدلالة أن الله سبحانه أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمرُهُ المطلق على الوجوب ما لم يقُم دليل على خلافه.

وقد ثبت أن أصحابه -رضي الله عنهم- سألوه عن كيفيّة هذه الصلاة المأمور بها، فقال: قولوا: "اللَّهم صلّ على محمد … " الحديث، وقد ثبت أن السلام الذي عُلِّموه هو السلام عليه في الصلاة، وهو سلام التشهد، فمخرج الأمرين والتعليمين والمحلّين واحد.

يوضّحه أنه علّمهم التشهد آمراً لهم به، وفيه ذكر التسليم عليه -صلى الله عليه وسلم-، فسألوه عن الصلاة عليه، فعلّمهم إيّاها، ثم شبّهها بما علموه من التسليم عليه، وهذا يدلّ على أن الصلاة والتسليم المذكورين في الحديث هما الصلاة والتسليم عليه في الصلاة.

يوضّحه أنه لو كان المراد بالصلاة والتسليم عليه خارج الصلاة، لا فيها لكان لكلّ مُسَلِّم منهم إذا سَلّم عليه يقول له: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ومن المعلوم أنهم لم يكونوا يتقيّدون في السلام عليه بهذه الكيفية، بل كان الداخل منهم يقول: السلام عليكم، وربّما قال: السلام على رسول الله، وربما قال: السلام عليك يا رسول الله، ونحو ذلك، وهم لم يزالوا يسلّمون عليه من أوّل الإسلام بتحيّة الإسلام، وإنما الذي علموه قدر زائد عليها، وهو السلام عليه في الصلاة.

يوضحه حديث ابن إسحاق: "كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ "، وقد صحح هذه اللفظة جماعة من الحُفّاظ، منهم ابن خزيمة، وابن حبّان،


(١) ستأتي تلك الأحاديث في كلام ابن القيم رحمه الله تعالى.
(٢) راجع "الفتح" جـ ١٢ ص ٤٥٣ - ٤٥٦.