للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحاكم، والدارقطنيّ، والبيهقيّ (١).

وإذا تقرر أن الصلاة المسؤول عن كيفيّتها هي الصلاة عليه في نفس الصلاة، وقد خرج ذلك مخرج البيان المأمور به منها في القرآن، ثبت أنها على الوجوب، وينضاف إلى ذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بها، ولعلّ هذا وجه ما أشار إليه الإمام أحمد بقوله: كنت أتهيّب ذلك، ثم تبينتُ, فإذا هي واجبة.

وعلى هذا الاستدلال أسئلة:

(أحدها): أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "والسلام كما قد علّمتم"، يحتمل أمرين: (أحدهما): أن يراد به السلام عليه في الصلاة. (والثاني): أن يراد به السلام من الصلاة نفسها، قاله ابن عبد البرّ.

(الثاني): أن غاية ما ذكرتم إنما يدلّ دلالة اقتران الصلاة بالسلام، والسلام واجب في التشهد, فكذا الصلاة، ودلالة الاقتران ضعيفة.

(الثالث): أنا لا نسلّم وجوب السلام، ولا الصلاة، وهذا الاستدلال منكم إنما يَتمّ بعد تسليم وجوب السلام عليه -صلى الله عليه وسلم-.

الجواب عن هذه الأسئلة:

(أما الأوّل): ففاسد جدًّا فإن في نفس الحديث ما يبطله, وهو أنهم قالوا: هذا السلام عليك يا رسول الله قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟، لفظ البخاريّ في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-.

وأيضاً فإنهم إنما سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كيفية الصلاة والسلام المأمور بهما في الآية، لا عن كيفية السلام من الصلاة.

(وأما السؤال الثاني): فسؤال من لم يفهم وجهَ تقرير الدلالة، فإنا لم نحتجّ بدلالة الاقتران، وإنما استدللنا بالأمر بها في القرآن، وبَيّنّا أن الصلاة التي سألوا النبى -صلى الله عليه وسلم- أن يعلّمهم إيّاها إنما هي الصلاة التي في الصلاة.

(وأما السؤال الثالث): ففي غاية الفساد، فإنه لا يُعتَرض على الأدلّة من الكتاب والسنّة، بخلاف المخالف، فكيف يكون خلافكم في مسألة قد قام الدليل على قول مُنازعيكم فيها مبطلاً لدليل صحيح، لا معارض له في مسألة أُخرى، وهل هذا إلا عكس طريقة أهل العلم، فإن الأدلة هي التي تبطل ما خالفها من الأقوال، ويُعتَرَضُ بها على من خالف مُوجَبَها، فتقدّم على كل قول اقتضى خلافها، لا أن أقوال المجتهدين


(١) وقد تقدّم إعلال ابن التركماني لهذا الحديث، وجواب الحافظ عنه.