للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تُعارض بها الأدلّة، وتُبطل مقتضاها، وتُقدّم عليها، ثمّ إن الحديث حجة عليكم في المسألتين، فإنه دليل على وجوب التسليم والصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-، فيجب المصير إليه.

(الدليل الثاني): أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول ذلك في التشهد، وأمرنا أن نصلي كصلاته، وهذا يدلّ على وجوب فعل ما فعل في الصلاة، إلا ما خصه الدليل، فهاتان مقدمتان:

أما المقدمة الأولى: فبيانها ما روى الشافعي في "مسنده" عن إبراهيم بن محمد، حدثني سعد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عُجْرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه كان يقول في الصلاة: "اللَّهم صلّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صلّيت على إبراهيم، وآل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد".

وهذا وإن كان فيه إبراهيم بن أبي يحيى، فقد وثقه جماعة، منهم الشافعي، وابن الأصبهاني، وابن عديّ، وابن عُقدة، وضعّفه آخرون.

وأما المقدّمة الثانية: فبيانها ما رواه البخاريّ في "صحيحه" عن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه-، قال: أتينا النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونحن شَبَبَةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلةً، فظنّ أنّا اشتقنا إلى أهلنا، وسألَنَا عمن تركنا في أهلنا؟ فأخبرناه، وكان رفيقاً رحيماً، فقال: "ارجعوا إلى أهليكم، فعلّموهم، ومروهم، وصلّوا كما رأيتوني أصلي، وإذا حضرت الصلاة، فليؤذّن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم" (١).

(الدليل الثالث): حديث فَضَالة بن عُبيد -رضي الله عنه-، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له، أو لغيره: "إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، ثم ليُصلّ على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم ليدْعُ بما شاء" (٢). رواه الإمام أحمد، وأهل السنن، وصححه ابن حبان، والحاكم.

واعتُرِضَ عليه من وجوه:

أحدها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر هذا المصلي بالإعادة.

وجواب هذا: أن هذا الرجل كان غير عالم بوجوبها، فتركها معتقداً أنها غير واجبة، فلم يأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإعادة، وأمره في المستقبل أن يقولها، فأَمْرُهُ بقولها في المستقبل دليل على وجوبها، وترك أمره بالإعادة دليل على أنه يُعذر الجاهل بعدم الوجوب، وهذا كما لم يأمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- المسيء في صلاته بإعادة ما مضى من الصلوات، وقد أخبره أنه لا يحسن غير تلك الصلاة عذراً له بالجهل.

فإن قيل: فلم أمره أن يعيد تلك الصلاة، ولم يعذره فيها بالجهل؟


(١) متفق عليه.
(٢) قد تقدم الكلام عليه في الباب الماضي.