قلنا: لأن الوقت باق، وقد علم أركان الصلاة، فوجب عليه أن يأتي بها.
فإن قيل: فهلّا أمر تارك الصلاة عليه بإعادة تلك الصلاة كما أمر المسيء؟
قلنا: أَمْرُه -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة عليه فيها تحكّم ظاهر في الوجوب، ويحتمل أن الرجل لما سمع ذلك الأمر من النبي -صلى الله عليه وسلم- بادر إلى الإعادة من غير أن يأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بها.
ويحتمل أن تكون تلك الصلاة كانت نفلاً، لا تجب عليه إعادتها. ويحتمل غير ذلك، فلا يُترَك الظاهر من الأمر، وهو دليل مُحْكَمٌ لهذا المشتبه المحتمل، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الثاني: أن هذا الدعاء كان بعد انقضاء الصلاة لا فيها، بدليل ما روى الترمذيّ في "جامعه" من حديث رِشدِين في هذا الحديث، بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعد، إذ دخل رجل، فصلّى، وقال: اللَّهم اغفر لي، وارحمني، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيها المصلي إذا صلّيت، فقعدت، فاحمد الله بما هو أهله، وصلّ عليّ، ثم ادعه".
وجواب هذا من وجوه:
أحدها: أن رشدين ضعفه أبو زرعة، وغيره، فلا يكون حُجّة مع استقلاله، فكيف إذا خالف الثقات الأثبات؟! لأنّ كلّ من روى هذا الحديث قال فيه: سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته.
الثاني: أن رشدين لم يقل في حديثه: إن هذا الداعي دعا بعد انقضاء الصلاة، ولا يدلّ لفظه على ذلك، بل قال: فصلى، فقال: اللَّهمّ اغفر لي، وهذا لا يدلّ على أنه قال بعد فراغه من الصلاة، ونفسُ الحديث دليل على ذلك، فإنه قال:"إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتحميد الله"، ومعلوم أنه لم يُردْ بذلك الفراغ من الصلاة، بل الدخول فيها، ولاسيّما، فإن عامّة أدعية النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما كانت في الصلاة، لا بعدها، كحديث أبي هريرة، وعليّ، وأبي موسى، وعائشة، وابن عبّاس، وحُذَيفة، وعمّار، وغيرهم، -رضي الله عنهما-، ولم يقل أحد منهم أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو بعد صلاته في حديث صحيح (١).
ولما سأله الصدّيق دعاء يدعو به في صلاته لم يقل: ادع به خارج الصلاة، ولم يقل لهذا الداعي: ادع به بعد سلامك من الصلاة، لاسيما، والمصلي مناجٍ ربّه، مقبل عليه، فدعاؤه ربّه تعالى في هذه الحال أنسب من دعائه له بعد انصرافه عنه، وفراغه من مناجاته.
الثالث: أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فاحمد الله بما هو أهله"، إنما أراد به التشهّد في القعود،
(١) هذا فيه نظر، فقد ثبت دعاؤه -صلى الله عليه وسلم- بعد الفراغ من الصلاة، وسيأتي بيان أدلة ذلك في محلّه إن شاء الله تعالى.