ولهذا قال:"إذا صلّيت، فقعدت"، يعني في تشهدك، فأمره بحمد الله تعالى، والثناء عليه، والصلاة على رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
الاعتراض الثالث: أن الذي أمره أن يصلي فيه، ويدعو بعد تحميد الله غير معيّن، فلم قلتم: إنه بعد التشهّد؟
وجواب هذا: أنه ليس في الصلاة موضع يشرع فيه الثناء على الله تعالى، ثم الصلاة على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم الدعاء إلا في التشهد آخر الصلاة، فإن ذلك لا يشرع في القيام، ولا الركوع، ولا السجود اتفاقاً، فعلم أنه إنما أراد به آخر الصلاة، حالَ جلوسه في التشهد.
الاعتراض الرابع: أنه أمره فيه بالدعاء عقب الصلاة عليه، والدعاء ليس بواجب، فكذا الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-.
وجواب هذا: أنه لا يستحيل أن يأمر بشيئين، فيقوم الدليل على عدم وجوب أحدهما، فيبقى الآخر على أصل الوجوب.
الثاني: أن هذا المذكور من الحمد والثناء هو واجب قبل الدعاء، فإنه هو التشهد، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- به، وأخبر الصحابة -رضي الله عنهم- أنه فرض عليهم، ولم يكن اقتران الأمر بالدعاء به مسقطاً لوجوبه، فكذا الصلاة على النبي-صلى الله عليه وسلم-.
الثالث: أن قولكم: الدعاء لا يجب باطل، فإن من الدعاء ما هو واجب، وهو الدعاء بالتوبة والاستغفار من الذنوب والهداية والعفو وغيرها، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"من لم يسأل الله يغضب عليه"(١). والغضب لا يكون إلا على ترك واجب، أو فعل محرّم.
الاعتراض الخامس: أنه لو كانت الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرضاً في الصلاة، لم يؤخّر بيانها إلى هذا الوقت، حتى يرى رجلاً لا يفعلها، فيأمره بها، ولكان العلم بوجوبها مستفاداً قبل هذا الحديث.
وجواب هذا: أنا لم نقل: إنها وجبت على الأمة إلا بهذا الحديث، بل هذا المصلي كان قد تركها، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بما هو مستقرّ معلوم من شرعه، وهذا كحديث المسيء في صلاته، فإن وجوب الركوع والسجود والطمأنينة على الأمة لم يكن مستفاداً من حديثه، وتأخير بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك إلى حين صلاة هذا الأعرابي، وإنما أمره أن يصلي الصلاة التي شرعها لأمته قبل هذا.
(١) حديث حسن، أخرجه أحمد، والبخاري في "الأدب المفرد"، والترمذي، وابن ماجه، والحاكم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.