الاعتراض السادس: أن أبا داود والترمذي قالا في هذا الحديث، حديثِ فضالةَ: "فقال له، أو لغيره"، بحرف "أو"، ولو كان هذا واجباً على كلّ مكلّف لم يكن ذلك له، أو لغيره.
وهذا اعتراض فاسد من وجوه:
أحدها: أن الرواية الصحيحة التي رواها ابن خُزيمة، وابن حبّان، "فقال له ولغيره" بالواو، وكذا رواه الإمام أحمد، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم.
الثاني: أن "أو" هنا ليست للتخيير، بل للتقسيم، والمعنى أن أي مصلّ صلى، فليقل ذلك، هذا أو غيره، كما قال: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤]، ليس المراد التخيير، بل المعنى: أن أيهما كان فلا تُطعه، إما هذا، وإما هذا.
الثالث: أن الحديث صريح في العموم بقوله: "إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتحميد الله"، فذكره.
الرابع: أن في رواية النسائي، وابن خزيمة: "علّمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، فذكره، وهذا عام.
الدليل الرابع: ثلاثة أحاديث, كل منها لا تقوم الحجّة به عند انفراده، وقد يُقَوِّي بعضها بعضاً عند الاجتماع.
أحدها: ما رواه الدارقطني من حديث عمرو بن شَمِر، عن جابر -هو الجُعُفي- عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا بُريدة إذا صلّيتَ في صلاتك ,فلا تتركنّ التشهد، والصلاة عليّ، فإنها زكاة الصلاة، وسلّم على جميع أنبياء الله ورسله، وسلّم على عباد الله الصالحين".
الثاني: ما رواه الدارقطني أيضًا من طريق عمرو بن شمر، عن جابر، قال: قال الشعبي: سمعت مسروق بن الأجدع يقول: قالت عائشة -رضي الله عنها-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يقبل الله صلاةً إلا بطهور، وبالصلاة عليّ". لكن عمرو بن شمر، وجابر لا يحتجّ بهما، وجابر أصلح من عمرو (١).
الثالث: ما رواه الدارقطني من حديث عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جدّه، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا صلاةَ لمن لم يصلّ على نبيه -صلى الله عليه وسلم-". رواه الطبراني
(١) في الحديثين عمرو بن شَمِر واهٍ، وجابرٌ الجعفي ضعيف، فلا يصلح الاحتجاج بهما، وكذا بالثالث كما نبّه عليه ابن القيم رحمه الله، وإنما ذكرهما استيفاءً لما ذكره أصحاب هذا القول من الأدلة، وفي الحقيقة الأدلة الصحيحة الأخرى المتقدمة كافية في الاحتجاج فلا داعي للاحتجاج بمثل هذه الأحاديث الواهية فتبصّر. والله تعالى أعلم.