من حديث أُبيّ بن عباس، عن أبيه، عن جدّه، وعبد المهيمن ليس بحجة، وأُبيّ أخوه، وإن كان ثقة احتجّ به البخاريّ، فالحديث المعروف فيه، إنما هو من رواية عبد المهيمن، ورواه الطبراني بالوجهين، ولا يثبت.
الدليل الخامس: أنه قد ثبت وجوبها عن ابن مسعود، وابن عمر، وأبي مسعود الأنصاريّ -رضي الله عنهم-، وقد تقدّم ذلك (١)، ولم يُحفَظ عن أحد من الصحابة أنه قال: لا تجب، وقول الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجّة، ولاسيّما على أصول أهل المدينة والعراق.
الدليل السادس: أن هذا عملُ الناس من عهد نبيّهم إلى الآن، ولو كانت الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- غير واجبة، لم يكن اتفاق الأمة في سائر الأمصار والأعصار على قولها في التشهد، وترك الإخلال بها.
وقد قال مقاتل بن حيّان في تفسيره في قوله عزّ وجلّ:{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} قال: إقامتها: المحافظة عليها، وعلى أوقاتها، والقيام فيها، والركوع، والسجود، والتشهد، والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير.
وقد قال الإمام أحمد: الناس عيال في التفسير على مقاتل، قالوا: فالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة من إقامتها المأمور بها، فتكون واجبةٌ، وقد تمسّك أصحاب هذا القول بأقيسة، لا حاجة إلى ذكرها.
قالوا: ثم نقول لمنازعينا: ما منكم إلا من أوجب في الصلاة أشياء بدون هذه الأدلّة.
هذا أبو حنيفة يقول بوجوب الوتر، وأين أدلة وجوبه من أدلّة وجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويوجب الوضوء على من قهقه في صلاته بحديث مرسل لا يقاوم أدلتنا في هذه المسألة، ويوجب الوضوء من القيء، والرعاف، والحجامة، ونحوها بأدلّة لا تقاوم أدلّة هذه المسألة.
ومالك يقول: إن في الصلاة أشياء بين الفرض والمستحبّ، ليست بفرض، وهي فوق الفضيلة والمستحبّة، يسميها أصحابه سنناً، كقراءة سورة مع الفاتحة، وتكبيرات
(١) أما أثر ابن مسعود -رضي الله عنه-، فذكره ابن عبد البرّ في "التمهيد" أنه كان يقول: "لا صلاة لمن لم يصلّ على النبي -صلى الله عليه وسلم-". وأما أثر أبي مسعود -رضي الله عنه- فرواه عثمان بن أبي شيبة وغيره، عن شريك، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي، عنه، قال: "ما أدري أن صلاةً لي تمت حتى أصلي فيها على محمد، وعلى آل محمد". وجابر ضعيف. وأما أثر ابن عمر -رضي الله عنهما- فأخرجه الحسن بن شبيب المعمري بسنده عنه، قال: "لا تكون صلاة إلى بقراءة، وتشهد، وصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-". انظر "جلاء الأفهام" ص ٢٦٦.