للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الانتقالات، والجلسة الأولى، والجهر والمخافتة، ويوجبون السجود في تركها على تفصيل لهم فيه.

وأحمد يسمي هذه واجبات، ويوجب السجود لتركها سهواً.

فإيجاب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- إن لم يكن أقوى من إيجاب كثير من هذه، فليست دونها.

والمقصود أن تشنيع المشنِّع فيها على الشافعي باطل، فإنّ مسألةً فيها من الأدلّة والآثار مثل هذا كيف يشنّع على الذاهب إليها. والله تعالى أعلم انتهى كلام الإمام المحقق ابن قيّم الجوزية رحمه الله تعالى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا البحث نفيسٌ جدّاً، خلاصته ترجيح القول بإيجاب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد التشهد الأخير، وقد ناقش الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى أدلة الفريقين، وتوصل بعد المناقشة الدقيقة، والدراسة العميقة لأدلتهم إلى ترجيح الإيجاب، وهو الذي لا يظهر لي غيره، لوضوح أدلته.

قال العلامة الأمير الصنعاني رحمه الله تعالى في "العُدّة حاشية العمدة":

وأما الاستدلال النفاة لوجوبها في آخر الصلاة بكون النبي -صلى الله عليه وسلم- قد علّم التشهد، وأمر عقبه أن يتخيّر من المسألة ما شاء من لم يعلم ذلك, وموضع التعليم لا يؤخر فيه بيان الواجب, فالجواب من وجوه:

(الأول): أنكم أوجبتم السلام بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وتحليلها التسليم" مع أنه لم يُذكر فى حديث التشهد، ونحن أوجبنا الصلاة بالأدلّة المقتضية لإيجابها في الصلاة، فلو كان خُلُوّ حديث التشهد مانعاً عن إيجاب الصلاة لكان أيضاً مانعاً إيجاب التسليم، وإن لم يمنعه لم يمنع وجوب الصلاة.

الثاني: أنه -صلى الله عليه وسلم- كما علّمهم التشهد علّمهم الصلاة عليه، فكيف يكون تعليمه دالّا على وجوبه، ولا يكون تعليمه لهم الصلاة دالّا على وجوبها؟.

فإن قيل: التشهد الذي علّمهم تشهد الصلاة، وأما الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- التي علمهم فمطلقة.

قلنا: بل والصلاة التي علمهم هي في الصلاة أيضاً، إذ في رواية محمد إبراهيم التيمي: "كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا".

ثمّ لو قدّر أن أحاديث التشهد تنفي وجوب الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم-، فكانت أدلّة وجوبها مقدّمة على تلك، لأن نفيها باق على البراءة الأصلية، ووجوبها ناقل عنها، والناقل يقدّم


(١) راجع "جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام" ص ٢٨٢ - ٢٩٢. ونقلته ببعض تصرف.