على النافي، فكيف ولا تعارض، فإن غاية أدلّة التشهد أنها ساكتة عن إيجاب غيره، وما سكت عن إيجاب شيء لا يعارض ما قام الدليل على وجوبه، فضلاً عن أن يقدّم عليه.
ثم حديث تعليم التشهد مقدّم على تعليم الصلاة، فإنه -صلى الله عليه وسلم- علّمهم حين فرضت الصلاة، وتعليمهم الصلاة في الصلاة كان بعد نزول "سورة الأحزاب" عند نزول تخييره نساءه، فلو فرض أن تعليمهم التشهد ينفي الصلاة لكان منسوخاً بتعليمهم إياها آخراً. انتهى كلام الصنعاني رحمه الله تعالى.
قال الجامع عفا الله تعالى: ما قاله الصنعاني رحمه الله تعالى حسنٌ جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
المسألة التاسعة:
في اختلاف أهل العلم في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهّد الأول:
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: في "الأمّ": يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأول، هذا هو المشهور من مذهبه، وهو الجديد، لكنه يستحب، وليس بواجب، وقال في القديم: لا يزيد على التشهد، وهذه رواية المزني عنه، وبهذا قال أحمد، وأبو حنيفة، ومالك، وغيرهم رحمهم الله.
واحتُجّ للشافعي رحمه الله بما رواه الدارقطني من حديث موسى بن عُبَيدة، عن عبد الله ابن دينار, عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعلّمنا التشهد: "التحيّات الطيبات الزاكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, السلام علينا, وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ووسوله"، ثمّ يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ورواه الدارقطني أيضاً من حديث عمرو بن شَمِر، عن جابر، عن عبد الله بن بُرَيدة، عن أبيه -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا بريدة إذا جلست في صلاتك، فلا تتركنّ الصلاة عليّ، فإنها زكاة الصلاة" (١).
قالوا: وهذا يعم الجلوس الأول والآخر.
واحتجّ له أيضاً بأن الله تعالى أمر المؤمنين بالصلاة والتسليم على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فدلّ على أنه حيث شرع التسليم عليه شُرعت الصلاة عليه، ولهذا سأله الصحابة عن كيفية الصلاة عليه، وقالوا: قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلي عليك؟، فدلّ على أن الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه -صلى الله عليه وسلم-، ومعلوم أن المصلي يسلّم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيشرع
(١) تقدم أنه ضعيف جدّاً، لا يصلح للاحتجاج به، فتنبّه.