للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

له أن يصلي عليه.

قالوا: ولأنه مكانٌ شرع فيه التشهد والتسليم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فشرع فيه الصلاة عليه كالتشهد الأخير.

قالوا: ولأن التشهد الأول محل يستحب فيه ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فاستحبّ فيه الصلاة عليه، لأنه أكمل في ذكره.

قالوا: ولأن في حديث محمد بن إسحاق: كيف نصلي عليك إذا نحن جلسنا في صلاتنا؟.

وقال الآخرون: ليس التشهد الأول بمحلّ لذلك، وهو القديم من قولي الشافعي، وهو الذي صححه كثير من أصحابه، لأن التشهد الأوّل تخفيفه مشروع، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جلس فيه كأنه على الرَّضْف (١)، ولم يثبت عنه أنه كان يفعل ذلك فيه، ولا علّمه للأمة، ولا يُعرف أنّ أحدًا من الصحابة استحبه، ولأن مشروعية ذلك لو كانت كما ذكرتم من الأمر، لكانت واجبة في هذا المحلّ كما في الأخير، لتناول الأمر لهما، ولأنه لو كانت الصلاة مستحبّة في هذا الموضع لاستحب فيه الصلاة على آله -صلى الله عليه وسلم-، لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يفرد نفسه دون آله بالأمر بالصلاة عليه، بل أمرهم بالصلاة عليه، وعلى آله في الصلاة وغيرها، ولأنه لو كانت الصلاة عليه في هذه الموضع مشروعة لشُرع فيها ذكر إبراهيم، لأنها هي صفة الصلاة المأمور بها، ولأنها لو شرعت في هذا الموضع لشرع فيها الدعاء بعدها، لحديث فَضَالة بن عُبيد -رضي الله عنه-، ولم يكن فرق بين التشهد الأول والأخير.

قالوا: وأما ما استدللتم به من الأحاديث، فمع ضعفها بموسى بن عُبيدة، وعمرو بن شمر، وجابر الجعفي لا تدلّ، لأن المراد بالتشهد فيها هو الأخير، دون الأول لما ذكرناه من الأدلّة. والله تعالى أعلم. أفاده العلامة ابن القيّم رحمه الله تعالى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي ظهر لي مما ذكر من استدلال كل فريق على ما ذهب إليه ترجيح قول الجمهور، وهو عدم مشروعية الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأول، لعدم دليل قويّ على المشروعية. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب".


(١) تقدم أن في سنده انقطاعاً؛ لأن أبا عبدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- شيئاً لكن الحديث صحيح لغيره، فقد ذكرت له شاهداً تقدم برقم (١١٧٦) فراجعه تستفد. و"الرَّضْف" بفتح فسكون: الحجارة المحماة على النار أو الشمس.
(٢) "جلاء الأفهام" ص ٢٩٣ - ٢٩٥.