وقوله:"قلنا: يا رسول الله". قال في "الفتح": كذا في معظم الروايات عن كعب بن عُجرة "قلنا" بصيغة الجمع, وكذا وقع في حديث أبي سعيد في الباب -يعني الآتي- ٥٣/ ١٢٩٣ - ومثله في حديث بريدة عند أحمد، وفي حديث طلحة عند النسائي -يعني الآتي ٥٢/ ١٢٩٠ - وفي حديث أبي هريرة عند الطبري، ووقع عند أبي داود، عن حفص بن عمر، عن شعبة، بسند الباب:"قلنا، أو قالوا" بالشكّ، والمراد الصحابة، أو من حضر منهم، ووقع عند السرّاج، والطبراني من رواية قيس بن سعد، عن الحكم به:"أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا". وقال الفاكهاني: الظاهر أن السؤال صدر من بعضهم، لا من جميعهم، ففيه التعبير عن البعض بالكلّ، ثم قال: ويبعد جدّاً أن يكون كعب هو الذي باشر السؤال منفرداً، فأتى بالنون التي للتعظيم، بل لا يجوز ذلك, لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أجاب بقوله:"قولوا"، فلو كان السائل واحداً لقال له:"قل"، ولم يقل:"قولوا" انتهى.
قال الحافظ: ولم يظهر لي وجه نفي الجواز، وما المانع أن يسأل الصحابي الواحد عن الحكم، فيجيب -صلى الله عليه وسلم- بصيغة الجمع، إشارةً إلى اشتراك الكلّ في الحكم، ويؤكده أن في نفس السؤال:"قد عرفنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلي؟ " كلها بصيغة الجمع، فدلّ على أنه سأل لنفسه، ولغيره، فحسن الجواب بصيغة الجمع.
لكن الإتيان بنون العظمة في خطاب النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يُظَنّ بالصحابي، فإن ثبت أن السائل كان متعدداً فواضح، وإن ثبت أنه كان واحداً فالحكمة في الإتيان بصيغة الجمع الإشارةُ إلى أنّ السؤال لا يختصّ به، بن يريد نفسه ومن يوافقه على ذلك، فحمله على ظاهره من الجمع هو المعتمد، على أن الذي نفاه الفاكهانيّ قد ورد في بعض الطرق، فعند الطبري من طريق الأجلح، عن الحكم، بلفظ:"قمت إليه، فقلت: السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة يا رسول الله؟ قال: قولوا: "اللَّهم صلّ على محمد … " الحديث.
قال الحافظ: وقد وقفت من تعيين من باشر السؤال على جماعة, وهم:
كعب بن عُجرة، وبشير بن سعد، والد النعمان، وزيد بن خارجة الأنصاريّ، وطلحة بن عبيد الله، وأبو هريرة، وعبد الرحمن بن بشير (١) -رضي الله عنهم-.