للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد نظمت الثامن بقولي:

وّزِدْ ثَامِناً وَهْوَ الدُّعَاءُ إِذَا تَلَا … وَمَرَّ بآيَةِ بها ذِكْرُ رَحْمَةِ

فَيَسْأَلُ رَحْمَةً وَإِنْ آيَةٌ بَها … تَعْذِيبٌ لأُمَّةٍ أنابَ بِعَوْذَةِ

(قال: قل: اللَّهم إني ظلمت نفسي) أي بملابسة ما يوجب العقوبة، أو ينقص الحظّ والأجر (ظلمًا كثيراً) يُروَى بالمثلّثة، وبالموحّدة، فيتخير الداعي بين اللفظين، ولا يجمع بينهما، لأنه لم يُروَ إلا أحدهما، والأولى أن يأتي بهذا مرّة، وبهذا مرّة، فيكون قد أتى بما نطق به النبي -صلى الله عليه وسلم- بيقين، وقد تقدم البحث في هذا مستَوفًى في المسألة السادسة برقم -٥٤/ ١٢٩٤ - فراجعه تستفد.

قال العلامة المحقق ابن دقيق العيد رحمه الله: في الحديث دليل على أن الإنسان لا يَعرَى من ذنب وتقصير، كما قال عليه الصلاة والسلام: "استقيموا، ولن تحُصوا … " وفي الحديث: "كلّ ابن آدم خطّاء، وخير الخطائين التوّابون"، وربما أخذوا ذلك من حيث الأمر بهذا القول مطلقاً من غير تقييد بحالة، فلو كان ثمّة حال لا يكون فيها ظلم ولا تقصير لما كان هذا الإخبار مطابقاً للواقع، فلا يؤمر به انتهى (١).

وقال الحافظ رحمه الله: فيه أن الإنسان لا يعرى عن تقصير، ولو كان صدّيقاً.

وقال السندي رحمه الله بعد نقل كلام الحافظ: بل فيه: أن الإنسان كثير التقصير، وإن كان صديقاً، لأن النعم عليه غير متناهية، وقوّته لا تطيق أداء أقلّ قليل من شكرها، بل شكره من جملة النعم أيضاً، فيحتاج إلى شكره هو أيضاً كذلك، فما بقي إلا العجز والاعتراف بالتقصير الكثير، كيف، وقد جاء في جملة أدعيته -صلى الله عليه وسلم- "ظلمت نفسي" انتهى (٢).

(ولا يغفر الذنوب إلا أنت) هو مثل قوله تعالى: {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}، ففيه الإقرار بوحدانية الباري سبحانه وتعالى، واستجلاب لمغفرته بهذا الإقرار، كما قال تعالى: "علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ به" (٣)

وقد وقع في هذا الحديث امتثال لما أثنى الله تعالى عليه في قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ}


(١) "إحكام الأحكام" جـ ٣ ص ٤٠ - ٤١.
(٢) "شرح السندي" جـ ٣ ص ٥٣.
(٣) هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن عبداً أصاب ذنباً، فقال: يا رب إني أذنبت ذنباً، فاغفر لي، فقال له ربه: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ به، فغفر له … " الحديث.