[آل عمران: ١٣٥]، فأثنى على المستغفرين، وفي ضمن ثنائه بالاستغفار لوّح بالأمر به، كما قيل: إن كلّ شيء أَثنى اللهُ على فاعله، فهو آمر به، وكلّ شيء ذَمَّ فاعلَه فهو ناه عنه. قاله في "الفتح".
(فاغفر لي مغفرة من عندك) قال الطيبي رحمه الله: دلّ التنكير على أن المطلوب غُفران عظيم، لا يدرك كُنْهُهُ، ووَصَفَهُ بكونه من عنده سبحانه وتعالى مُريداً لذلك العِظَمِ، لأن الذي يكون من عند الله لا يُحيط به وصف.
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله: يحتمل وجهين:
(أحدهما): الإشارة إلى التوحيد المذكور، كأنه قال: لا يفعل هذا إلا أنت، فافعله لي أنت.
(الثاني): -وهو أحسن- أنه إشارة إلى طلب مغفرة مُتفَضَّل بها، لا يقتضيها سبب من العبد، من عَمَل حَسَن، ولا غيره، فهي رحمة من عنده بهذا التفسير، ليس للعبد فيها سبب، وهذا تبرّؤٌ عن الأسباب، والإدلال بالأعمال، والاعتقاد في كونها موجبة للثواب وجوباً عقليّاً انتهى (١).
قال في "الفتح": وبهذا الثاني جزم ابن الجوزيّ، فقال: المعنى: هَبْ لي المغفرة تفضلاً، وإن لم أكن لها أهلاً بعملي انتهى.
(وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم) هما صفتان ذكرتا ختماً للكلام على جهة المقابلة لما قبله، فـ"الغفور" مقابل لقوله: "اغفر لي"، و"الرحيم" مقابل لقوله: "ارحمني"، وقد وقعت المقابلة ههنا للأول بالأول، والثاني بالثاني، وقد يقع على خلاف ذلك بأن يُراعَى القربُ، فيجعل الأول للأخير، وذلك على حسب اختلاف المقاصد، وطلب التفنن في الكلام، ومما يُحتاج إليه في علم التفسير مناسبة مقاطع الآي لما قبلها. قاله ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث أبي بكر الصدّيق رضي الله تعالى عنه هذا متفق عليه.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٥٩/ ١٣٠٢ - وفي "الكبرى" -٩٣/ ١٢٢٥ - بالسند المذكور.