اللَّهم إلا أن يقال: إن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالدعاء بعد التشهد يؤيد كونه فيه، وأن كان لا يستلزمه.
والحاصل أن محله لا يخلو أن يكون إما في حال السجود، وإما بعد التشهد، وإما فيهما، فحصلت المناسبة لذكره في هذا الموضع. والله تعالى أعلم.
وعند أحمد في رواية: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلّمنا كلمات ندعو بهنّ في صلاتنا، أو قال: في دبر صلاتنا".
(اللَّهمّ إني أسألك الثبات) وفي "الهنديّة" "الثبوت" (في الأمر) أي الدوام على جميع أمور الدين، ولزوم الاستقامة عليها.
وسؤال الثبات في الأمر من جوامع الكلم النبوية، لأن من ثبّته الله في أموره عُصم عن الوقوع في الموبقات، ولم يصدر منه أمر خلاف ما يرضاه الله تعالى. قاله في "النيل".
(والعزيمة على الرشد) "العزيمة": تكون بمعنى إرادة الفعل، وبمعنى الجدّ في طلبه، والمناسب هنا هو الثاني. قاله في "النيل" أيضاً.
وفي "المرعاة": "العزيمة": عَقدُ القلب على إمضاء الأمر، يقال: عَزَمَ الأمرَ، وعليه: عقد ضميره على فعله، وعزم الرجلُ: جدّ في الأمر.
و"الرشد" -بفتحتين، أو بضم، فسكون-: بمعنى الصلاح، والفلاح، والصواب، والاستقامة على طريق الحقّ. قيل: المراد لزوم الرشد ودوامه، وفي رواية الترمذي: "أسألك عزيمة الرشد" يعني الجدّ في أمر الرشد بحيث يُنجز كلّ ما هو رشد من أموره.
(وأسالك شكر نعمتك) أي التوفيق لشكر نعمتك (وحسن عبادتك) أي إيقاعها على الوجه الحسن المرضيّ عندك (وأسالك قلباً سليماً) أي من العقائد الفاسدة، والميل إلى الشهوات العاجلة ولذّاتها، وتتبع ذلك الأعمال الصالحات، إذ من علامة سلامة القلب تأثيرها إلى الجوارح، كما أن صحة البدن عبارة عن حصول ما ينبغي من استقامة المزاج، والتركيب، والاتصال، ومرضه عبارة عن زوال أحدها.
وقيل: المراد سليماً من الغلّ والغش، والحقد، والإحن، وسائر الصفات الرديّه، والأحوال الدنيّة.
(ولساناً صادقاً) أي محفوظاً من الكذب، لا يبرز منه إلّا الحقّ المطابق للواقع (وأسألك من خير ما تعلم) قال الطيبي رحمه الله: "ما" موصولة، أو موصوفة، والعائد محذوف، و"من" يجوز أن تكون زائدة على مذهب من يزيدها في الإثبات، أو بيانية، والمُبَيَّن محذوف، أي أسألك شيئاً هو خير ما تعلم، أو تبعيضية، سأله إظهاراً لهضم