النفس, وأنه لا يستحقّ إلا يسيراً من الخير انتهى (وأعوذ بك من شرّ ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم) أي لأجل ما تعلمه مني من الذنوب والتقصير في طاعتك. وفي رواية الترمذي "مما تعلم" أي من الذي تعلمه. وزاد الترمذي: "إنك أنت علام الغيوب".
وقالى العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى في "تحفة الذاكرين" في شرح هذا الحديث: ما نصّه:
سأل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ربّه الثبات في الأمر، وهي صيغة عامّة، يندرج تحتها كلّ أمر من الأمور، وإذا وقع الثبات للإنسان في كلّ أموره أجراها على السداد والصواب، فلا يَخشى من عاقبتها، ولا تعود عليه بضرر.
وسأله عزيمة الرشد، وهي الجدّ في الأمر بحيث يُنجز كلّ ما هو رشد من أموره. و"الرشد": هو الصلاح، والفلاح، والصواب.
ثم سأله شكر نعمته، وحسن عبادته، لأن شكر النعمة يوجب مزيدها، واستمرارها على العبد، فلا تنزع منه، وحسن العبادة يوجب الفوز بسعادة الدنيا والآخرة.
وسأله اللسان الصادق، لأن الصدق هو ملاك الخير كله.
وسأله سلامة القلب، لأن من كان كذلك يَسلَم عن الحقد، والغلّ، والخيانة، ونحو ذلك.
وسأله أن يُعيذه من شرّ ما يعلم سبحانه. وسأله من خير ما يعلم، لإحاطة علمه سبحانه بكلّ دقيقة وجليلة بما يعلمه البشر، وبما لا يعلمونه، فلا يبقى خير ولا شرّ إلا وهو داخل في ذلك.
واستغفره مما يعلمه سبحانه، لأنه يعلم بكلّ ذنب، مما يعلمه العبد، ومما لا يعلمه، وما أوقع تتميم هذا الدعاء بهذه الجملة الواقعة موقع التأكيد لما قبلها، وهي قوله: "إنك أنت علّام الغيوب" انتهى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه حسن.
(اعلم): أن هذا الحديث، وإن كان رجاله ثقات، إلا أنه منقطع، سقط من إسناده رجل من بني حنظلة بين العلاء وبين شداد بن أوس، فقد أخرجه أحمد ٤/ ٥٤
و
(١) "تحفة الذاكرين" ص ٢٨٥ - ٢٨٦.