للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أخلاق أهل النفاق، كما ثبت في "الصحيحين" من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- مرفوعاً: "أربع من كنّ فيه كان منافقًا خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهنّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتُمن خان، وإذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر". فالفجور عند المخاصمة هو الميل عن الحق، والتكلم بالباطل. والله تعالى أعلم.

(وأسألك القصد) أي التوسّط (في الفقر والغنى) أي في حال قلّة المال، وكثرته، ومعنى التوسط فيه: أن لا يكون فيه إسراف، ولا تقتير، فإن الغنَى يبسط اليد ويطغي النفس، ويحمل على التبذير الذي نهى الله عنه، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} الآية [الإسراء: ٢٧] وقال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ} الآية [الشورى: ٢٧].

والفقر يحمل على التسخط بقضاء الله تعالى، وربّما يحمل على فعل الحرام، كالغصب، والسرقة، وغير ذلك، فالمطلوب من العبد أن يتوسط في الحالتين، فلا يتجاوز الحد فيهما.

(وأسألك نعيماً لا ينفد) وفي نسخة: "لا يَبيد" وهو بفتح الموحّدة، من باد يَبيد، كباع يبيع: إذا ذهب، وانقطع، أي أسألك نعيماً لا ينقطع، ولا يَفنَى، وليس ذلك إلّا نعيم الآخرة، فكأنه سأل الله تعالى الجنّة.

(وأسألك قُرّةَ عين) اختُلف فى معناها: فقال بعضهم: بَرَدَتْ وانقطع بُكاؤها، واستحرارها بالدمع، فإن للسرور دَمعَةً باردةً، وللحُزْن دمعةً حارّةً، وقيل: هو من القَرَار، أي رأت ما كانت مُتَشَوِّفَةً إليه، فقَرَّت ونامت، وقيل: أعطاه حتى تَقَرَّ عينه، فلا تطمح إلى من فوقه. وقيل: أقرّ اللهُ عينَهُ: أنام الله عينَهُ، والمعنى صادف سُرُوراً يُذهبُ سهَرَه، فينام (١).

ثم إنه يحتمل أن يكون المراد أن تقرّ عينه بتلذذه بطاعة مولاه سبحانه وتعالى، ودوام ذكره، وكمال محبّته، والأنس به، كما في الحديث الصحيح: "وجعلت قرّة عيني في الصلاة".

ويحتمل أن يكون المراد أن تقَرَّ عينه بأولاده وذرّيته حيث يراهم مطيعين لله سبحانه وتعالى.

(لا تنقطع) بل تستمرّ حتى تتصل بنعيم الجنّة، وأعلاها النظر إلى وجهه الكريم، كما


(١) راجع "لسان العرب" جـ ٥ ص ٣٥٨٠.