يأتي قريباً.
(وأسألك الرضا بعد القضاء) أي بما قدّرته عليّ في سابق علمك، حتى أتلقّاه بوجه منبسط، وقلب منشرح، وأعلَمَ أن كلّ قضاء قضيته عليّ، فهو نافذ، لا مَحالة, فأتأدب مع قضائك، ولا أقلق، ولا أتسخط (وأسألك برد العيش بعد الموت) برفع الروح إلى منازل السعداء، ودرجات المقرّبين، وفَسْح القبر، وجعله روضةً من رياض الجنّة.
وفيه إشارة إلى أن العيش في هذه الدار لا يبرُد لأحد، بل هو مشوب بالنكد، والكدر، وممزوج بالآلام الباطنة، والأسقام الظاهرة.
(وأسألك لَذَّةَ المْظر إلى وجهك) أي الفوز بمشاهدة وجهك الكريم.
وفيه إشارة إلى أن المؤمن ينظر إلى وجهه الكريم في دار النعيم, كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: ٢٢ - ٢٣].
وقد جاء تفسير "الحسنى" في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} الآية [يونس: ٢٦] بالنظر إلى وجهه الكريم، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن صهيب -رضي الله عنه-، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، وقال: "إذا دخل أهل الجنّة الجنّة، وأهل النار النار نادى مناد: يا أْهل الجنّة إن لكم عند الله موعدّاً، يُريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يُثقّل موازيننا؟ ألم يبيّض وجوهنا، ويُدخدنا الجنّة، ويجيرنا من النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئاً أحبّ إليهم من النظر إليه، ولا أقرّ لأعينهم".
وأخرج ابن جرير بسنده عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يبعث يوم القيامة منادياً يُنادي يا أهل الجنّة -بصوت يسمع أوّلهم وآخرهم- إن الله وعدكم الحُسنى وزيادةً، فالحسنى الجنّة، والزيادة النظر إلى وجه الرحمن عزّ وجلّ".
قال المناوي رحمه الله: قيد النظر باللذّة، لأن النظر إلى الله تعالى إما نظر هيبة وجلال في عرصات القيامة، أو نظر لطف وجمال في الجنّة، إيذاناً بأن المسؤول هذا انتهى (١).
(والشوق إلى لقائك) قال المجد اللغوي رحمه الله: "الشوق": نزاع النفس، وحركة الْهَوَى، جمعه: أشواق، وقد شاقني حُبُّها: هاجني انتهى.
قال العلامة ابن القيّم رحمه الله: جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا، وهو الشوق إلى لقائه، وأطيب ما في الآخرة، وهو النظر إليه.
ولمّا كان كلامه موقوفاً على عدم ما يضرّ في الدنيا، ويفتن في الآخرة قال (في غير
(١) "فيض القدير" جـ ٢ ص ١٤٦.