ضرّاء مضرّة) أي في غير مشقّة مُؤلمة. فـ"الضرّاء" فَعْلاء من الضّرّ. قال الفيّومي: الضّرّ: الفاقة، والفقر، بضم الضاد اسم، وبفتحها مصدر، وضَرَّه يضُرُّه، من باب قتل: إذا فعل به مكروهاً، وأضرّ به يتعدّى بنفسه ثلاثياً، وبالباء رباعياً، قال الأزهريّ: كلّ ما كان سُوءَ حال، وفقر، وشدّة في بدن فهو ضُرٌّ بالضم، وما كان ضدّ النفع، فهو بفتحها، وفي التنزيل: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ} الآية [الأنبياء: ٨٣]. قال: و"الضرّاء": نقيض السّرّاء، ولهذا أطلقت على المشقّة انتهى.
قال الطيبي رحمه الله: متعلَّقُ الظرف مشكل، ولعله يتصل بالفقرة الأخيرة، وهى "الشوق إلى لقائك"، سأل شوقاً إليه في الدنيا بحيث يكون في ضرّاء غير مُضرّة، أي شوقاً لا يؤثّر في سلوكي، وإن ضرّني مضرّةً ما، قال [من الطويل]:
إِذَا قُلْتُ أَهْدَى الْهَجْرُ لِي حُلَلَ الْبَلَا … تَقُولِينَ لَوْلَا الهَجْرُ لَمْ يَطِبِ الْحُبُّ
وَإِنْ قُلْتُ كَرْبِي دَائِمٌ قُلْتِ إِنَّمَا … يُعَدُّ مُحِبّاً مَنْ يَدُومُ لَهُ الكَرْبُ
ويجوز اتصاله بقوله: "أحيني" إلخ، ومعنى "ضرّاء مضرّة" الضرّ الذي لا يُصبَرُ عليه.
وفي الرواية التالية: "وأعوذ بك من ضرّاء مُضرّة".
(ولا فتنة مُضلّة) أي موقعة في الحَيرة، مُفضية إلى الهلاك (اللَّهمّ زيّنّا بزينة الإيمان) هي زينة الباطن، إذ لا مُعوّل إلّا عليها، لأن الزينة زينتان، زينة البدن، وزينة القلب، وهي أعظمها قدراً، وإذا حصلت حصلت زينة البدن على أكمل وجه في العُقبى.
ولمّا كان كمال العبد في كونه عالمًا بالحقّ، متّبعًا له، معلمًا لغيره قال (واجعلنا هُدَاةً مُهتدين) وصف الهداة بالمهتدين، لأن الهادي إذا لم يكن مهتدياً في نفسه لم يصلح هادياً لغيره، لأنه يوقع الناس في الضلال من حيث لا يشعر.
وهذا الحديث أفرده بعضهم بالشرح، كما قال المناوي رحمه الله تعالى (١). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلقان بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث عمّار بن ياسر رضي الله تعالى عنه هذا صحيح.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
هذا الحديث من أفراد المصنف، لم يُخرجه من أصحاب الأصول غيره، أخرجه
(١) "فيض القدير" جـ ٢ ص ١٤٧.