للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فكلام الله تعالى أحسن من كلام غيره من المخلوقين، فقد أخرج الترمذي، وحسّنه، مرفوعاً "وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقة".

فكتاب الله تعالى هو الجامع لجميع أصناف المعلومات، وهو المحتوي على جميع حقائق التشريعات، ففيه نبأُ مَن قبلنا، وخبر ما بعدنا، وحكم ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعّب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يخلُقُ على كثرة الردّ، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنته الجنّ إذ سمعته أن قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجنّ: ١]، من عَلِمَ علمَهُ سَبَق، ومن قال به صَدَق، ومن حَكَمَ به عَدَل، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم (١).

(وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-) قال القرطبيّ: بضم الهاء، وفتح الدّال فيهما، وبفتح الهاء، وسكون الدال فيهما، وهما من أصل واحد، والهُدَى بالضم: الدلالةُ والإرشاد، والهَدْيُ بالفتح: الطريقُ، يقال: فلان حَسَنُ الهَدْي: أي المذهب في الأمور كلها، أو السيرة انتهى.

والمعنى أن أحسن السيرة، وأجمل الهيئة، وأكمل الطريقة هو ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكل هدي غيره فهو ضلال، وإن كان متسماً ظاهراً بصفة العبادة، ولذا لما رأى صلى الله عليه من بعض أصحابه تعمّقاً في العبادة أنكر عليهم ذلك.

ففي "صحيح البخاري" من حديث أنس -رضي الله عنه-: جاء ثلاثة رَهْط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلمّا أُخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالُوا: وأين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم-، قد غُفر له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخّر، قال: أحدهم: أمّا أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوّج أبداً، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أَمَا والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقُدُ، وأتزوّج النساء، فمن رغب عن سنتي، فليس مني" (٢).

وفيه أيضاً من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمرهم من الأعمال


(١) أخرجه الترمذي من حديث علي -رضي الله عنه- مرفوعاً، لكنه ضعيف بسبب الحارث الأعور، ولذا لم أورده على أنه حديث مرفوع، وإنما هو كلام حق، وَوَصْفٌ مطابق للقرآن. فتنبّه.
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" جـ ٧ ص ٢.