للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعلى تكفير تارك الصلاة، لأن ظاهره أن حذيفة نفى الإسلام عمن أخلّ ببعض أركانها، فيكون نفيه عمن أخلّ بها كلها أولى.

وهذا بناء على أن المراد بالفطرة: الدين، وقد أطلق الكفر على من لم يصلّ، كما تقدم في بابه، وهو إما على حقيقته عند قوم، وإما على المبالغة في الزجر عند آخرين.

قال الخطابي: معنى "الفطرة": الملة، أو الدين، قال: ويحتمل أن يكون المراد بها هنا السنة، كما جاء "خمس من الفطرة" … الحديث، ويكون حذيفة قد أراد توبيخ الرجل ليرتدع في المستقبل، ويرجحه وروده من وجه آخر بلفظ "سنة محمد".

قال التيمي: وسميت الصلاة فطرة لأنها أكبر عُرَى الإيمان.

وفيه أن الصحابي إذا قال: سنة محمد، أو فطرته كان حديثًا مرفوعاً، وقد خالف فيه قوم، والراجح الأوّل. قاله في "الفتح" (١).

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وأما المثل المضروب في هذا الحديث لمن لا يُتمّ ركوعه، ولا سجوده، ففي غاية الحسن، فإن الصلاة هي قوت قلوب المؤمنين وغذاؤها بما اشتملت عليه من ذكر الله، ومناجاته وقربه، فمن أتمّ صلاته، فقد استوفى غذاء قلبه وروحه، فما دام على ذلك كملت قوّته، ودامت صحّته وعافيته، ومن لم يُتمّ صلاته، فلم يستوف قلبُهُ وروحُة قوتها وغذاءها، فجاع قلبه، وضعف، وربما مرض، أو مات، لفقد غذائه، كما يَمْرَض الجسد، ويَسقم، إذا لم يكمل بتناول غذائه وقوته الملائم له انتهى (٢).

(ثمّ قال) حذيفة رضي الله تعالى عنه (إن الرجل ليخفف) في صلاته بأن يخفف في القراءة مثلا (ويتم) ركوعها وسجودها، وسائر واجباتها (ويحسن) أداءها.

يعني أن التخفيف لا يتنافى مع الإتمام والإحسان في الصلاة.

والحاصل أن التخفيف ليس مذموماً مطلقاً، بل إنما يذم إذا كان مُخلاً ببعض أركان الصلاة، أو واجباتها، كما يأتي بيان ذلك في حديث الباب التالي، وأما إذا أتى بذلك، وأحسن فيه، ولكنه خفف فيما يطلب فيه التطويل، كالقراءة مثلاً، فلا يذمّ، وإن كان خلاف الأولى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلق بهذا الحديث:

المسألة الأولى: في درجته:


(١) "فتح" جـ ٢ ص ٥٢٨ - ٥٢٩.
(٢) "شرح البخاري" جـ ٧ ص ١٦٢.