للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحاصل أن ما عليه الجمهور من كون السلام من واجبات الصلاة التي لا تتم الصلاة إلا به هو الحق، لوضوح أدلّته.

وأما ما حاول به الشوكاني من ترجيح القول بعدم الوجوب فمما لا يعتمد عليه، لأنه لم يذكر دليلاً مقنعاً يردّ به أدلة الجمهور، فتبصّر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في اختلاف أهل العلم في حكم التسليمتين:

قال الإمام أبو بكر ابن المنذر رحمه الله تعالى: اختلف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن بعدهم في عدد التسليم، فقالت طائفة: يسلم تسليمتين عن يمينه، وعن شماله، روي هذا القول عن أبى بكر الصدّيق، وعلي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وعبد الله ابن مسعود، ونافع بن الحارث، وعطاء بن أبي رباح، وعلقمة، والشعبي، وأبي عبد الرحمن السُّلَميّ، وبه قال سفيان الثوريّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

وقالت طائفة: يسلّم تسليمة واحدة، كذلك قال ابن عمر، وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين، وسلمة بن الأكوع، والحسن، ومحمد بن سيرين، وعمر بن عبد العزيز. وبه قال مالك، والأوزاعيّ، وقال عمّار بن أبي عمّار: كان مسجد الأنصار يسلمون تسليمتين عن أيمانهم، وعن شمائلهم، وكان مسجد المهاجرين يسلّمون تسليمة واحدة.

وفيه قول ثالث: وهو أن هذا من الاختلاف المباح، فالمصلي مخيّر، إن شاء سلّم تسليمة، وإن شاء سلّم تسليمتين، قال بهذا القول بعض أصحابنا.

وكان إسحاق يقول: تسليمة تُجزي، وتسليمتان أحبّ إليّ.

قال ابن المنذر رحمه الله: وكلّ من أحفظ عنه من أهل العلم يُجيز صلاة من اقتصر على تسليمة، وأحبّ أن يسلم تسليمتين، للأخبار الدّالة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويجزيه أن يسلّم تسليمة انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله تعالى باختصار (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قال ابن المنذر رحمه الله تعالى من مشروعية التسليمتين، وهو الذي عليه الجمهور كما تقدم هو المذهب الراجح، لكثرة الأحاديث الصحاح على وفقه.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وقد قال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله: ثبت


(١) "الأوسط" جـ ٣ ص ٢٢٠ - ٢٢٣.