للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المسألة الرابعة: في مذاهب أهل العلم في حكم المكث في المصلَّى بعد السلام من الصلاة:

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: والمنقول عن السلف يدلّ على أن الإمام ينحرف عقب سلامه، ثم يجلس إن شاء. روى عبد الرزّاق في كتابه عن معمر، عن أبي إسحاق، عن أبى الأحوص، عن ابن مسعود قال: إذا سلّم الإمام، فليقم، ولينحرف عن مجلسه، قلت: يُجزئه أن ينحرف عن مجلسه، ويستقبل القبلة؟ قال: الانحراف بغرب، أو شرق عن غير واحد، وكان المسؤول معمراً. وروى أيضاً بإسناده عن مجاهد قال: ليس من السنة أن يقعد حتى يقوم، ثم يقعد بعدُ إن شاء. وعن سعيد بن جبير أنه كان يفعله. وعن عطاء قال: قد كان يجلس الإمام بعدما يسلّم، وأقول أنا: قدر ما ينتعل نعليه. وعن أبي عُبيدة أنه قال -لمّا سمع مصعباً يُكبّر ويهلل بعد صلاته مستقبل القبلة-: ما له؟ قاتله الله نَعَّار بالبِدَعِ.

ويُستثنى من ذلك الجلوسُ بعد الفجر، فإنه لو جلس الإمام بعد استقباله الناس إلى أن تطلع الشمس كان حسناً.

ففي "صحيح مسلم" عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقوم من مصلّاه الذي يُصلي فيه الصبح، أو الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام".

وروى وكيع بإسناده عن النخعي أنه كان إذا سلّم قام، إلا الفجر والعصر، فقيل له في ذلك؟ فقال: ليس بعدهما صلاة.

قال أحمد -في الإمام إذا صلى بقوم الفجرَ، أو العصرَ-: أعجب إليّ أن ينحرف، ولا يقوم من موضعه، وكان أحمد إذا صلى بالناس الصبح جلس حتى تطلع الشمس.

فأما جلوسه بعد الظهر، فقال أحمد: لا يُعجبني. قال القاضي أبو يعلى: ظاهر كلامه أنه يستحبّ بعد الصلاة التي لا يتطوع بعدها، ولا يُستحبّ بعد غيرها، قال: وروى الخلّال بإسناده، عن عابد الطائي، قال: كانوا يكرهرن جلوس الإمام في مصلّاه بعد صلاة يُصلّى بعدها، فإذا كانت صلاة لا يُصلى بعدها، فإن شاء قام، وإن شاء جلس.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بكراهة الجلوس في مكان الصلاة بعدها مما لا دليل عليه، بل هو مصادم للحديث الصحيح "إن الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يحدث، اللَّهم اغفر له، اللَّهم ارحمه". فتنبّه. والله تعالى أعلم.

قال: وحُكي عن أصحاب الشافعي أن المستحبّ للإمام أن يقوم، ولا يجلس في كلّ الصلوات، وقد نصّ الشافعيّ في "المختصر" على أنه يُستحبّ للإمام أن يقوم عقب