للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ببعض تغيير (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في "الأم" هو الراجح عندي.

وحاصله أن الإمام إن شاء جلس في مصلّاه، وإن شاء قام، ولا كراهة في شيء من ذلك، وأما المأموم فهو بالخيار بعد السلام، إن شاء جلس مع الإمام، وهو الأحبّ، وإن شاء انصرف، ولا كراهة في ذلك، إلا إذا كان هناك نساء يخاف الاختلاط معهن، فلا يقوم حتى ينصرفن.

وأما القول بكراهة الانصراف قبل الإمام مستدلاً بالحديث المتقدّم، وهو قوله: "ولا بالانصراف" فهو غير صحيح عندي، لأن معنى الانصراف هنا -والله أعلم- هو السلام، بدليل أنه -صلى الله عليه وسلم- قابله بالركوع، والسجود، والقيام، فنهى عن مسابقته بالركوع، والسجود، والقيام، والانصراف أي السلام، فلا يجوز للمأموم أن يسلّم قبل الإمام، إلا فيما استُثنِيَ بالنصّ، وهو ما إذا طوّل الإمام الصلاة، فللمأموم أن يسلم، ويصلي وحده، لقصة معاذ -رضي الله عنه- المشهورة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الخامسة: في اختلاف أهل العلم في التطوع في محل الفريضة بعدها:

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وقد اختلف العلماء في تطوع الإمام في مكان صلاته بعد الصلاة، فأما ما قبلها، فيجوز بالاتفاق.

فكرهت طائفة تطوّعه في مكانه بعد صلاته.

وبه قال الأوزاعي، والثوريّ، وأبو حنيفة، ومالك، وأحمد، وإسحاق، ورُوي عن علي -رضي الله عنه- أنه كرهه، وقال النخعي: كانوا يكرهونه.

ورَخّص فيه ابنُ عقيل من أصحاب أحمد، كما رجّحه البخاري، ونقله عن ابن عمر، والقاسم بن محمد.

فأما المروي عن ابن عمر، فإنه لم يفعله، وهو إمام، بل كان مأموماً. كذلك قال الإمام أحمد.

وأكثر العلماء لا يكرهون للمأموم ذلك، وهو قول مالك، وأحمد.

وقد أخرج أبو داود حديثاً يقتضي كراهته من حديث أبي رِمْثة -رضي الله عنه-، قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان أبو بكر وعمر يقومان في الصفّ المقدّم عن يمينه، وكان رجل قد


(١) "شرح البخاري" جـ ٧ ص ٤٣٧ - ٤٤١.