للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": في احتجاج مسلم بهذا الحديث دليل على ذهابه إلى صحة الحديث الذي يُروَى على هذا الوجه مع إنكار المحدّث له، إذا حدث به عنه ثقة.

وهذا مذهب جمهور العلماء من المحدثين، والفقهاء، والأصوليين، قالوا: يُحتجّ به إذا كان إنكار الشيخ له لتشكُّكه فيه، أو لنسيانه، أو قال: لا أحفظه، أو لا أذكر أني حدثتك به، ونحو ذلك، وخالفهم الكرخي من أصحاب أبي حنيفة -رضي الله عنهما-، فقال: لا يُحتجّ به.

فأما إذا أنكره إنكاراً جازماً قاطعاً بتكذيب الراوي عنه، وأنه لم يحدثه به قط، فلا يجوز الاحتجاج به عند جميعهم، لأن جزم كلّ واحد يعارض جزم الآخر، والشيخ هو الأصل، فوجب إسقاط هذا الحديث، ولا يَقْدَحُ ذلك في باقي أحاديث الراوي، لأنا لم نتحقق كذبه انتهى كلام النووي رحمه الله تعالى (١).

وعبارة "الفتح" ٢/ ٣٨٠: "قال الشافعي بعد أن رواه عن سفيان: كأنه نسيه بعد أن حدّثه به انتهى (٢).

وهذا يدلّ على أن مسلمًا كان يرى صحة الحديث، ولو أنكره راويه، إذا كان الناقل عنه عدلاً.

ولأهل الحديث فيه تفصيل: قالوا: إما أن يجزم، أولاً، وإذا جزم، فإما أن يصرّح بتكذيب الراوي عنه، أولاً، فإن لم يجزم بالرّدّ، كأن قال: لا أذكره، فهو متفق على قبوله؛ لأن الفرع ثقة، والأصل لم يَطعَن فيه، وإن جزم، وصرّح بالتكذيب، فهو متفق عندهم على ردّه، لأن جزم الفرع بكون الأصل حدّثه يستلزم تكذيب الأصل في دعواه أنه كذب عليه، وليس قبول قول أحدهما بأولى من الآخر، وإن جزم بالردّ، ولم يصرّح بالتكذيب، فالراجح عندهم قبوله.

وأما الفقهاء فاختلفوا، فذهب الجمهور في هذه الصورة إلى القبول، وعن بعض الحنفيّة، ورواية عن أحمد لا يُقبل، قياساً على الشاهد.

وللإمام فخر الدين في هذه المسألة تفصيل نحو ما تقدّم، وزاد: فإن كان الفرع مترددًا في سماعه، والأصل جازمًا بعدمه سقط، لوجود التعارض.

ومحصّل كلامه آنفاً أنهما إن تساويا فالرّدّ، وإن رُجِّح أحدُهما عُمل به.

وهذا الحديث من أمثلته.


(١) "شرح مسلم" جـ ٥ ص ٨٤ - ٨٥.
(٢) "فتح" جـ ٢ ص ٣٨٠.