للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

نفسه، وإن رفع صوته فلا بأس.

فأما قول ابن سيرين: يكره رفع الصوت إلا في موضعين: الأذان، والتلبية، فالمراد به -والله أعلم- المبالغة في الرفع كرفع المؤذن والملبي.

وقد رُوي رفع الصوت بالذكر في مواضع، كالخروج إلى العيدين، وأيام العشر، وأيام التشريق بمنى.

وأما الدعاء فالسنة إخفاؤه.

ففي "الصحيحين" عن عائشة -رضي الله عنها- في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} الآية [الإسراء: ١١٠] أنها نزلت في الدعاء.

وكذا روي عن ابن عباس، وأبي هريرة -رضي الله عنهم-، وعن سعيد بن جُبير، وعطاء، وعكرمة، وعروة، ومجاهد، وإبراهيم، وغيرهم.

وقال الإمام أحمد: ينبغي أن يُسرّ دعاءه لهذه الآية، قال: وكان يُكره أن يرفعوا أصواتهم بالدعاء.

وقال سعيد بن المسيب: أحدث الناس الصوت عند الدعاء، وكرهه مجاهد وغيره.

ورَوَى وكيع عن الربيع، عن الحسن، والربيعُ عن يزيد بن أبان، عن أنس أنهما كرها أن يُسمع الرجل جليسه شيئاً من دعائه.

وورد فيه رخصة من وجه لا يصح.

أخرجه الطبراني من رواية أبي موسى: كان نبي الله -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الصبح يرفع صوته حتى يسمع أصحابه، يقول: "اللَّهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري" -ثلاث مرّات- "اللَّهم أصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي" -ثلاث مرّات- "اللَّهم أصلح لي آخرتي التي جعلت إليها مرجعي" -ثلاث مرّات-، وذكر دعاء آخر.

وفي إسناده يزيد بن عياض متروك الحديث، وإسحاق بن طلحة ضعيف.

فأما الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-، قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحببنا أن نكون عن يمينه ليُقبل علينا بوجهه، قال: فسمعته يقول: "ربّ قني عذابك يوم تبعث عبادك".

فهذا ليس فيه أنه كان يجهر بذلك، حتى يسمعه الناس، إنما فيه أنه كان يقوله بينه وبين نفسه، وكان يسمعه منه أحياناً جليسه كما كان يسمع منه من خلفه الآية أحيانًا في صلاة النهار.

ورَوَى هلال بن يساف، عن زاذان، حدثنا رجل من الأنصار، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في دبر الصلاة: "اللَّهم اغفر لي، وتب عليّ، إنك أنت التوّاب الغفور"