ومنها: ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الملازمة لهذا الذكر.
ومنها: بيان فضل هذا الذكر، فإنه مع كونه وجيزاً، غزيرُ الفائدة، فهو خاتم يُختم به العملُ الصالح، فلا يدخله بعده نقص ولا تبديل إلى يوم القيامة، ومحّاء يمحو الهفوات، وزَلّات اللسان، وهذا من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين، حيث جعل لهم بكلمات معدودة أجراً عظيماً، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. وذلك بسبب اتباعهم لسنة نبيه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي قال سبحانه وتعالى في حقه:{وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.
ومنها: ما كانت عليه عائشة من شدّة الحرص على تعلم الخير، فما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعمل عملاً، أو يقول قولاً إلا سألت عنه، وأفادت الأمّة به، فلهذا كانت أكثر أمهات المؤمنين حديثاً، فقد ثبت لها من الحديث في دواوين السنة (٢٢١٠) حديثاً، ولم ينقل عنهنّ نصفه، بل ولا ربعه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع المآب.
المسألة الرابعة: هذا الذكر الوارد في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها هو المعروف بكفارة المجلس، وقد ورد أيضاً من أحاديث الصحابة الآخرين، فمنهم: أبو هريرة رضي الله تعالى عنه:
أخرجه الترمذي في "جامعه"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، وابن حبّان في "صحيحه"، والطبراني في "الدعاء"، والحاكم في "المستدرك"، كلهم من رواية حجاج ابن محمد، عن ابن جريج، عن موسى بن عُقبة، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من جلس في مجلس، وكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللَّهمّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلّا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك إلا غُفر له ما كان في مجلسه ذلك". هذا لفظ الترمذيّ، وقال: حسن صحيح غريب، لا نعرفه من حديث سُهيل إلا من هذا الوجه. وفي الباب عن أبي برزة، وعائشة.
وقال الحاكم في "علوم الحديث" بعد أن أخرجه من طريق البخاري: قال البخاريّ: هذا حديث مليح، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث، إلا أنه معلول، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وُهيب، حدثنا موسى بن عُقبة، عن عون بن عبد الله قولَه، قال البخاريّ: هذا أولى، فإنا لا نذكر لموسى بن عقبة سماعاً من سهيل انتهى.
وقد أخرجه أبو داود في "السنن"، وابن حبان في "صحيحه"، والطبراني في "الدعاء" من طريق ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن عبد الرحمن بن أبي عمرو، عن سعيد