للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالدعاء حينئذ انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى (١). وهو تحقيق نفيس جدًّا.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تلخص مما ذكر من الأدلّة أن الدعاء عقب الصلاة ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قولاً، وفعلاً، فلا يسع أحدًا إنكاره.

وأمّا تأويل قوله: "دبر كلّ صلاة" بأنه قبل السلام، لأن دبر الحيوان منه، فغير مسلّم، لأنه -صلى الله عليه وسلم- علّمهم تلك الأذكار والدعوات، وأمرهم أن يجعلوها دبر كل صلاة، فلا يصحّ حمل بعضها على ما قبل السلام، كالدعوات، وبعضها على بعده، كالتسبيح، وقراءة أية الكرسيّ، إذ لا دليل على التفريق، ولاسيما وبعضها فيه التصريح بأنه بعد السلام.

فقد أخرج ابن خزيمة في "صحيحه" -رقم ٧٤٣ - عن عليّ -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه كان إذا فرغ من صلاته، فسلّم قال: "اللَّهم اغفر لي ما قدّمت، وما أخّرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدّم، وأنت المؤخّر، لا إله إلا أنت".

والحاصل أن الذكر والدعاء بعد السلام من الصلاة مشروع، كما هو مذهب البخاريّ، والنسائي، وقد تقدّم في كلام الحافظ ابن رجب، أنه مذهب الإمام أحمد، بل نقل أن أصحاب أحمد، وأصحاب الشافعي استحبوا الدعاء عقب الصلوات، وذكره بعض الشافعية اتفاقًا انتهى.

فإذا ثبتت الأحاديث بذلك، وعمل بها أهل العلم، أو بعضهم، فلا وجه للإنكار.

وأما ما اعتاده الناس الآن في كثير من البلدان، من الدعاء الجماعي بعد الصلاة بأن يدعو الإمام، أو غيره، ويُؤمّن القوم فلم، يصحّ له دليل، ولا هو منقول عن السلف، كما تقدّم عن الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى، فالحذر كلّ الحذر من إحداث ما لم يكن في عهد السلف، فإن ذلك بلا ريب سبب التلف. اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا، وارزقنا اجتنابه برحمتك يا أرحم الراحمين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الرابعة: في حكم رفع اليدين عند الدعاء:

(اعلم): أنه لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى أحاديث رفع اليدين في الدعاء، وقد عقد الإمام البخاري رحمه الله تعالى بابًا في "صحيحه". فقال في "كتاب الدعوات":

"باب رفع الأيدي في الدعاء": وقال أبو موسى الأشعريّ: دعا النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم رفع


(١) "فتح" جـ ١٢ ص ٤١٩.