للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شاء، ويكون دعاؤه عقب هذه العبادة الثانية، وهي الذكر، لا لكونه دبر المكتوبة انتهى كلام ابن القيّم.

قال الحافظ رحمه الله: وما ادعاه من النفي مطلقًا مردود، فقد ثبت عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "يا معاذ إني والله لأحبك، فلا تدع دبر كلّ صلاة أن تقول: اللَّهم أعنّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك". أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبّان، والحاكم.

وحديث أبي بكرة -رضي الله عنه- في قول: "اللَّهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وعذاب القبر كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو بهنّ دبر كلّ صلاة". أخرجه أحمد، والترمذي، والنسائي، وصححه الحاكم.

وحديث سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- كان يعلّم بنيه هؤلاء الكلمات، كما يعلّم المكَتِّبُ الغلمان، ويقول. إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوّذ بهنّ دبر الصلاة: "اللَّهمّ إني أعوذ بك من الجُبْن، وأعوذ بك من البُخْل، وأعوذ بك من أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وعذاب القبر" أخرجه البخاري، والنسائي (١).

وحديث زيد بن أرقم -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو في دبر كلّ صلاة: "اللَّهمّ ربّنا، وربّ كلّ شيء … " الحديث. أخرجه أبو داود، والنسائي (٢).

وحديث صهيب -رضي الله عنه- رفعه: "كان يقول إذا انصرف من الصلاة: اللَّهم أصلح لي ديني … " الحديث. أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبّان. وغير ذلك.

فإن قيل: المراد بدبر كلّ صلاة قرب آخرها، وهو التشهد.

قلنا: قد ورد الأمر بالذكر دبر كلّ صلاة، والمراد به بعد السلام إجماعًا، فكذا هذا، حتى يثبت ما يخالفه.

وقد أخرج الترمذيّ من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-: قيل: يا رسول الله أيّ الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الأخير، ودبر الصلوات المكتوبات". وقال: حسن.

وأخرج الطبري من رواية جعفر بن محمد الصادق، قال: الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة، كفضل المكتوبة على النافلة.

وفهم كثير ممن لقيناه من الحنابلة أن مراد ابن القيّم نفي الدعاء بعد الصلاة مطلقًا، وليس كذلك، فإن حاصل كلامه أنه نفاه بقيد استمرار استقبال المصلي القبلة، وإيراده بعد السلام، وأما إذا انتقل بوجهه، أو قدّم الأذكار المشرعة، فلا يمتنع عنده الإتيان


(١) سيأتي للمصنف برقم ٦/ ٥٤٤٧ في "كتاب الاستعاذة".
(٢) أخرجه أبو داود رقم ١٠٥٨ والنسائي في "عمل اليوم والليلة" ١٠١ وأحمد ٤/ ٣٦٩.